للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحريمه؛ لأنَّ القياس كله ضربُ الأمثال للدّين، وتمثيل ما لا نصَّ فيه [بما فيه نَصٌّ] (١)، ومَنْ مَثَّل ما لم ينص اللَّه على تحريمه أو إيجابه بما حَرَّمه أو أَوجبه فقد ضرب للَّه الأمثال، ولو علم سبحانه أن الذي سكت عنه مثل الذي نصَّ عليه لأعلَمنا به، ولَمَا أغْفَله [سبحانه] (٢)، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] ولبيِّن لنا ما نتقي، كما أخبر عن نفسه بذلك إذ يقول [سبحانه] (٢): {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: ١١٥]، ولَمَا وكَله إلى آرائنا (٣) ومقاييسنا التي ينقضُ بعضُها بعضًا، فهذا يقيس ما يذهب إليه على ما يزعم أنه نظيره، فيجيء مُنَازِعُه فيقيس ضد قياسِه من كلِّ وجهٍ، ويُبدي من الوصف الجامع مثلَ ما أبداه منازعُوه أو أظهرَ منه، ومحالٌ أن يكون القياسانِ معًا من عند اللَّه، وليس أحدهما أولى من الآخر، [فليسا من عنده] (٤)، وهذا وحده كافٍ في إبطال القياس.

وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤]، وقال: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]، فكل ما بيَّنه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعن ربه [سبحانه] (٢)، بيَّنه بأمره وإذنه، وقد عَلِمنا يقينًا وقوعَ كل اسم في اللغة على مُسمَّاه فيها، وأن اسم البُرِّ لا يتناول [الخردل، وأسم التمر لا يتناول البلوط، واسم الذهب والفضة لا يتناول القزدير] (٥)، وأن تقدير نصاب السرقة لا يدخل فيه تقدير المَهْر، وأن تحريم أكلِ الميتة لا يدل على أن المؤمن الطيب عند اللَّه حيًا وميتًا إذا مات صار نجسًا خبيثًا، وأن هذا [عن] (٢) البيان -الذي وَلَّاه اللَّه رسولَه وبعثه به- أبعد شيء وأشده منافاة له، فليس هو مما بُعث به الرسول قطعًا، فليس إِذًا من الدين.

وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بَعثَ اللَّه من نبيٍّ إِلَّا كان حقًا عليه أن يَدُلَّ أمته على خير ما يَعْلمُه لهم، وينهاهم عن شرِّ ما يعلمه لهم" (٦)، ولو كان الرأيُ


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٣) في (ق): "رأينا".
(٤) بدل ما بين المعقوفتين في (ق) و (ك): "فليسئلن عنه".
(٥) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "القديد".
(٦) أخرجه مسلم في "الصحيح" (كتاب الإمارة): باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (١٨٤٤)، من حديث عبد اللَّه بن عمرو.

<<  <  ج: ص:  >  >>