"ركز ابن القيم تركيزًا كبيرًا على عدة مسائل منها: محاربة التقليد، ومنع الحيل في الأحكام. . وقد واجه القضية الأولى مواجهة علمية فذة، وبحثها بحثًا مستفيضًا لم يسبقه إليه أحد من فقهاء المذاهب جميعًا، إذ عقد في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" فصلًا مطولًا بلغ أكثر من سبعين صفحة، وساق إحدى وثمانين حجة من المنقول والمعقول في تأييد ما ذهب إليه من بطلان التقليد، وخلص إلى القول بأن التقليد الذي يحرم القول فيه والإفتاء به ثلاثة أنواع:
- الإعراض عما أنزل اللَّه، وعدم الالتفات إليه اكتفاء بتقليد الآباء.
- تقليد من لا يعلم المقلِّد أنه أهل لأن يُؤْخَذَ بقوله.
- التقليد بعدم قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلِّد.
وقد ذم اللَّه سبحانه هذه الأنواع الثلاثة من التقليد في غير موضع من كتابه. فقال:
وما دام التقليد بكل أنواعه باطلًا، فيبقى التسليم والرجوع إلى الأصول وهي: الكتاب والسنة وما كان في معناهما. . والابتعاد عن التأويلات التي لا تستند إلى أي أثر، لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني لا أخاف على أمتي من بعدي، إلَّا من أعمال ثلاثة؛ قالوا: وما هي يا رسول اللَّه؟ قال: أخاف عليهم زلة عالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع".
وقد جمع المصنفون في السُّنَّة بين فساد التقليد وإبطاله، وبين زلة العالم، ليبينوا بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزلّ ولا بد، إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، ويُنَزَّلُ قوله منزلة قول المعصوم -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقد ذكر البيهقي وغيره من حديث كثير عن أبيه عن جده مرفوعًا: "اتقوا زلة العالم، وانتظروا فيأته". . وقال عبد اللَّه بن المعتز: