وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم، وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة، فقال الشافعي:"مثل الذي يطلب العلم بلا حجة، كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه، وهو لا يدري" ذكره البيهقي.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف:"لا يحل لأحدٍ أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه".
وهكذا سلك الإمام ابن القيم في طرحه لإشكالية التقليد منهجًا علميًا، إذ قدم المعطيات كما هي، متحليًا بما يجب أن يكون عليه العالم الحقيقي، المزود بثقافة شمولية واستقلال في الرأي من تجرد، ثم ناقش كل واحدة على حدة، مستدرجًا محاوريه إلى الاقتناع بوجهة نظره، والتسليم ببطلان الجمود الفكري، بل بتناقض المقلدين فيما يأتون به من حجج، حيث يصورهم (خشبًا مسندة) ليس لها شخصية، بل هي ظلال لغيرها، تجتر الأفكار، وتسلك النهج السهل، بل تتجرأ -من حيث لا تدري- فتخالف أمر اللَّه وأمر رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهدي أصحابه وأحوال أئمتهم، فاللَّه أمر برد ما تنازع عليه المسلمون إليه وإلى رسوله، والمقلدون قالوا: إنما نردُّه إلى من قلَّدناه. وقد ورد عن الرسول الكريم -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا" وهو ذم للمختلفين، وتحذير من سلوك سبيلهم .. وإنما كثر الاختلاف وتفاقم أمره بسبب التقليد وأهله؛ وهم الذين فرقوا الدين وصيروا أهله شيعًا".
ثم ختم مقاله بعنوان (دروس من ابن القيم) قال فيه:
"من هذه القراءة السريعة يمكن أخذ الدروس الآتية من الإمام ابن قيم الجوزية وهي:
- الإسلام ضد التقليد الأعمى.
- تراثنا الإسلامي نابض بالحياة، وقابل للأخذ والعطاء.
- يجب محاصرة الخلاف، والدعوة إلى توحيد العالم الإسلامي.
- يجب التجنيد في سبيل الدعوة الإسلامية قولًا وعملًا.
- الدفاع عن قضايانا بطرق تربوية مرنة بعيدًا عن كل تشنج وعصبية.
- الرجوع بالأمة الإسلامية إلى الصفاء الروحي الأول: القرآن، والسنة، مقتدين بمعاذ بن جبل حين سأله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن: "كيف تصنع إن