للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"تأَلَّى على اللَّه أن لا يفعل خيرًا" (١)، وقال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} [النور: ٢٢]، وقال الشاعر:

قليل الألَايا حافظٌ لِيمينه ... وإن بَدَرتْ منهُ الألِيَّةُ بَرَّتِ (٢)

ثم قلتم: وليس بيمين فيدخل في قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] فياللَّه العَجَب: ما الذي أحلَّه عامًا وحَرَّمه عامًا، وجعله يمينًا وليس بيمين؟ ثم ناقضتم من وجه آخر فقلتم: إن قال: "إن فعلتُ كذا فأنا كافر" وفَعَله لم يكفر؛ لأنه لم يقصد الكفر، وإنما قصد منع نفسه من الفعل بمنعها من الكفر؛ وهذا حق، لكن نقضتموه في الطلاق والعتاق مع أنه لا فرق بينهما ألبَتَّة في هذا المعنى الذي منع من وقوع الكفر، ثم ناقضتم من وجه آخر فقلتم: لو قال: "إن فعلتُ كذا فعليَّ أن أطلق امرأتي" فحنث لم يلزمه أن يطلقها، ولو قال: "إن فعلته فالطلاق يلزمني" فحنث وقع عليه الطلاق، ولم (٣) تفرق اللغةُ [ولا] (٤) الشريعة بين المصدر و [أن] (٤) والفعل (٥).

فإن قلتم: الفرقُ بينهما أنه التزم (٦) في الأول التطليق [وهو فعله] (٧)، وفي الثاني وقوع الطلاق وهو أَثرُ فعله.

قيل: هذا الفرق الذي تخيَّلتموه لا يُجدي شيئًا؛ فإن الطلاق هو التطليق بعينه، وإنَّما أَثَرُه كونُها طالقًا، وهذا غير الطلاق؛ فههنا (٨) ثلاثة أمور مرتبة:


(١) أي: حلف، يقال: تألَّى، يتألى، تأليًا، وائتلى يأتلي ائتلاءً: إذا حلف.
والحديث: أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب الصلح): باب هل يشير الأمام بالصلح (٥/ ٣٠٧/ رقم ٢٧٠٥)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب المساقاة): باب استحباب الوضع من الدين، (٣/ ١١٩١ - ١١٩٢/ رقم ١٥٥٧) عن عائشة؛ قالت: سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صوت خصوم بالباب، عالية أصواتهم، واذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: "واللَّه لا أفعل" فخرج عليهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أين المتألي على اللَّه لا يفعل المعروف؟ "، وأبهم مسلم شيخه فيه، انظر به: "غرر الفوائد المجموعة" (ص ٦٧٨ - ٦٨٠ - بتحقيقي).
(٢) "البيت في "اللسان" (١٤/ ٤٠ - مادة ألا) غير منسوب، ورواه ابن خالويه: قليل الإلاء، وفسر أبو عبيدة: لا يأتل بأنه من ألوت، أي: قصرت" (و).
(٣) في المطبوع و (ك) و (ق): "ولا".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك)، ووقع في (ق): "و" بدل "ولا".
(٥) "لأنه لا فرق في المعنى بين المصدر الصريح، والمصدر المؤول من أنْ والفعل" (ط).
(٦) في (ن) و (ق) و (ك): "إن الملتزم".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(٨) في (ق): "وههنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>