للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعلوم أن المفسدة تزيد بالحيلة ولا تزول وتُضاعَف (١) ولا تَضْعُف؟ فكيف تزول المفسدة العظيمة التي اقتضت لعنة اللَّه ورسوله للمُحلِّل والمُحَلَّل له (٢) بأن يشترطا ذلك قبل العقد ثم يعقدا بنيَّة ذلك الشرط ولا يشترطاه (٣) في صُلب العقد؟ فإذا أَخْلَيا صلب العقد من التلفظ بشرطه حسب، واللَّه ورسوله والناس وهما يعلمون أن العقد إنما عُقد على ذلك، فياللَّه العجب! أكانت هذه اللعنة [على مجرد ذكر الشرط في صُلب العقد، فإذا تقدم على العقد انقلبت اللعنة] (٤) رحمة وثوابًا؟ وهل الاعتبار في العقود إلا بحقائقها ومقاصدها؟ وهل الألفاظ إلا مقصودة لغيرها قصد الوسائل؟ فكيف يُضاع المقصود ويُعدل عنه في عقد مساوٍ لغيره من كل وجه لأجل تقديم لفظ أو تأخيره أو إبداله بغيره والحقيقة واحدة؟ هذا مما تُنَزَّه عنه الشريعة الكاملة المشتملة على مصالح العباد في دينهم ودنياهم؛ فأصحاب الحيل تركوا محض القياس، فإن ما احتالوا عليه من العقود المحرمة مساوٍ من كل وجه لها في القصد والحقيقة والمفسدة والفارق أمر صوري أو لفظي لا تأثير له ألبتة، فأيُّ فرقٍ بين أن يبيعه تسعة (٥) دراهم بعشرة ولا شيء معها وبين أن يضم إلى أحد العَوضَين خرقة تساوي فلسًا أو عود حطب أو أذن شاة ونحو ذلك؟ فسبحان اللَّه! ما أعجب حال هذه الضميمة الحقيرة التي لا تقصد! كيف جاءت إلى المفسدة التي أذن اللَّه ورسوله بحرب من توسل إليها بعقد الربا فأزالتها [ومحتها] (٦) بالكلية، بل قَلَبتها مصلحة، وجعلت حرب اللَّه ورسوله سلمًا ورضًا؟ وكيف جاء مُحلِّل الربا المُستعار الذي هو أخو مُحلِّل النِّكاح إلى تلك المفاسد العظيمة فكشطها كشط الجلد عن اللحم بل قلبها مصالح بإدخال سلعة بين المُرَابيَيْن تعاقدا (٧) عليها صورة ثم أُعيدت إلى مالكها؟ وللَّه (٨) ما أفقه ابن عباس في الدين وأعلمه بالقياس والميزان! حيث سئل عما هو أقربُ من ذلك بكثير فقال: دراهم


(١) في (ق): "وتتضاعف".
(٢) كما ورد في الحديث الصحيح، وتقدم تخريجه، والعبارة في (ك): "للمُحلّ والمُحلَّل له بأن شرطا".
(٣) في المطبوع: "ولا يشرطاه".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٥) في (ق) و (ك): "سبعة".
(٦) في (ق) و (ك): "وصحتها"!، وقال في هامش (ق): "لعله: صححتها".
(٧) في (ق): "المرابين يعاقد عليها".
(٨) في (ق): "وذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>