الشيخان لم يعهد مثلها لا من السلف ولا من الخلف، وقد شحنت الكتب والدواوين والسجلات والوثائق التاريخية وكتب السير من ذكر مآثر هؤلاء" (١).
ولا يمكن لأحدٍ ينظر في كتابنا هذا، أن ينكر الجهود التي بذلها ابن القيم في خدمة الفقه، ومنزلته الرفيعة في ذلك، ودقة فهمه، وحدة ذهنه، وسعة معرفته، بل نستطيع أن نقرر من خلال كتابنا هذا أنه رحمه اللَّه أحيا مدرسة الحديث والسنة في عصره، وأحيا الاجتهاد، والرجوع إلى النصوص الشرعية، وتحكيم الدليل، فلم يكتف بالهجوم على التقليد المتعصب فحسب، بل زاول الاجتهاد، ورجّح المسائل غير مكترث لمخالفة الكثرة مستعملًا أصول السلف فلم يخترع للمسائل التي اجتهد فيها أصولًا جديدة، بل استطاع أن يطبق أصول السلف وينزع عنها أحكامًا للقضايا المستجدة، ويمكن أن نردد مع مالك بن نبي قوله عنه وعن شيخه ابن تيمية: "قدما الترسانة (!!) الفكرية التي استمدت منها كل الحركات الإسلامية التي جاءت بعده".