للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البرِّ والفاجر والمسلم والكافر، ولم يتعبدنا (١) الشارع فيها بألفاظ معينة، فلا فرق أصلًا بين لفظ الإنكاح (٢) والتزويج وبين كل لفظ يدل على معناهما.

وأفسدُ من ذلك اشتراط العربية مع وقوع النكاح من العرب والعجم والتُّرك والبربر ومن لا يَعْرِف كلمة عربية، والعجب أنكم اشترطتم تلفظه بلفظ (٣) لا يَدري ما معناه ألبتة وإنما هو عنده بمنزلة صوتٍ في الهواء (٤) فارغ لا معنى تحته، فعقدتم [العقد] (٥) به، وأبطلتموه بتلفظه (٦) باللفظ الذي يعرفه ويفهم معناه ويميز بين معناه وغيره، وهذا من أبطل القياس، ولا يقتضي القياس إلا ضد هذا، فجمعتم بين ما فرق اللَّه بينه، وفرقتم بين ما جمع اللَّه بينه.

وبإزاء هذا القياس قياس من يُجوِّز قراءة القرآن بالفارسية، ويجوز انعقاد الصلاة بكل لفظ يدل على التعظيم -كسبحان اللَّه، وجَلَّ اللَّه، واللَّه العظيم، ونحوه- عربيًا كان أو فارسيًا، ويجوز إبدال لفظ التشهد بما يقوم مقامه، وكل هذا من جنايات الآراء والأقيسة، والصوابُ اتِّباعُ ألفاظ العبادات، والوقوف معها، وأما العقود والمعاملات فإنما تتبع مقاصدها والمراد منها بأي لفظ كان؛ إذ لم يشرع اللَّه ورسوله لنا التعبد بألفاظ معينة لا نتعداها (٧).

وجمعتم بين ما فرّق اللَّه بينه من إيجاب النفقة والسكنى للمبتوتة وجعلتموها كالزوجة، وفرّقتم بين ما جمع اللَّه ورسوله بينه من ملازمة الرجعية المعتدة والمتوفى عنها زوجها منزلهما (٨) حيث يقول [تعالى] (٩): {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: ١]، وحيث أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المتوفى عنها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله (١٠)، وجمعتم بين ما فرّق اللَّه بينهما من بول الطفل والطفلة


(١) في (ق): "ولا يتعبدنا".
(٢) في (ق): "لفظ النكاح".
(٣) في (ق) و (ك): "اشترطتم تلفظًا".
(٤) في (ق) و (ك): "بمنزلة صوري في الهواء".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٦) في (ن): "بلفظه".
(٧) انظر في هذا "الموافقات" للإمام الشاطبي (١/ ٤٤٠ و ٢/ ٥١٣ - بتحقيقي).
(٨) في (ق) و (ك): "منزلها".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(١٠) رواه مالك في "الموطأ" (٢/ ٥٩١)، وأحمد (٦/ ٣٧٠ و ٤٢٠ - ٤٢١)، والدارمي (٢/ ١٦٨)، وأبو داود (٢٣٠٠) في (الطلاق: باب المتوفى عنها تنتقل)، والترمذي (١٢٠٤) في (الطلاق: باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها)، والنسائي (٦/ ١٩٩ و ١٩٩ - ٢٠٠) في (الطلاق: باب مقام المتوفى عثها زوجها في بيتها حتى تحل)، وابن ماجه (٢٠٣١) في (الطلاق: باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها) كلهم من طرق عن سعيد بن =

<<  <  ج: ص:  >  >>