للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف يجوز له أن يعطي الواجب الأكثر الذي هو أقل مؤنة وتعبًا وكلفة لأولاده ويمسكه لنفسه وقد أضعفه عليه الشارع أكثر من كل واجب في الزكاة ومخرج الجميع وإيجابه واحد نصًا واعتبارًا؟ فالتفريق بينهما تفريق بين ما جمعت الشريعة بينهما حيث قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "في الركاز الخمس، وفي الرِّقَةِ (١) ربعُ العُشُرِ" (٢).

وقلتم: لو أَودعَ مَنْ لا يعرفه مالًا فغاب عنه سنين ثم عَرَفه فلا زكاةَ عليه؛ لأنه لا يقدر على ارتجاعه منه، فهو كما لو دفنه بمغارة فنسيه (٣)، ثم ناقضتم فقلتم: لو أودعه من يعرفه فنسيه [سنين] (٤) ثم عرفه فعليه زكاة تلك السنين الماضية كلها، والمال خارجٌ عن قَبْضَتِه وتصرفه، وهو غير قادر على ارتجاعه في الصورتين، ولا فرق بينهما، وقد صَرَّحتم في مسألة المغارة (٥) أنه لو دفنه في موضع (٦) منها ثم نسيه فلا زكاةَ عليه إذا عرفه بعد ذلك، ولا فرق في هذا بين المغارة (٥) وبين المودع بوجه؛ ثم ناقضتم من وجه آخر وقلتم: لو دفنه في داره وخفي عليه موضعه سنين ثم عرفه وجبت عليه الزكاة لما مضى.

وقلتم: لو وجبت عليه أربع شياه فاخرج ثنتين سمينتين تُساوي الأربع جاز، فطرد قياسكم هذا أنه لو وجب عليه عشرة أقفزة بُرّ فأخرج خمسة من بُرِّ مرتفع تُساوي قيمة العشرة التي هي عليه جاز، وطرده لو وجب عليه خمسة أبعرة فأخرج بعيرًا يساوي قيمة الخمسة أنه يجوز، ولو وجب [عليه] (٧) صاع في الفطرة فأخرج ربع صاع يساوي الصاع الذي لو أخرجه لتأَدَّى به الواجبُ إنه يجوز، فإن طَرَدتم هذا القياس فلا يخفى ما فيه من تغيير المقادير الشرعية والعدول عنها، ولزمكم طرده في أَنَّ مَنْ (٨) وجب عليه عتقُ رقبةٍ فأعتق عُشْرَ رقبة تساوي قيمة رقبة غيرها


(١) "الفضة والدراهم المضروبة منها، وأصل اللفظة: الورق، وهي الدراهم المضروبة خاصة، فَحُذِفت الواو، وعوض منها الهاء، وجمعها: رقات ورقين" (و).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٩٩) في (الزكاة): باب في الركاز الخمس، و (٢٣٥٥) في (الشرب): باب من حفر بئرًا في ملكه لم يضمن، و (٦٩١٢، ٦٩١٣) في الديات: باب العجماء جبار، ومسلم (١٧١٠)، من حديث أبي هريرة.
وقوله: "وفي الرقة ربع العشر" رواه البخاري (١٤٥٤) في (الزكاة): باب زكاة الغنم من حديث أنس عن أبي بكر، وهو جزء من حديث طويل.
(٣) في (ق): "بمفازة ونسيه".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في (ق): "المفازة".
(٦) في (ق) و (ك): "بموضع".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٨) في (ق): "ولزمكم طرده وأن من".

<<  <  ج: ص:  >  >>