للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما منع منه حُرْمة المكان، ألا ترى أنه لو خرج من الحَرَم حل ذبحه؛ وهذا من أفسد فرق، وهو باقتضاء عكس الحُكم أولى؛ فإن المانع في الصيد الحَرَمي في نفس المذبوح، فهو كذبح ما لا يؤكل، والمانع في ذبح المحرم في الفاعل، فهو كذبح الغاصب.

وقلتم: لو أرسل كلبه على صَيْد في الحل فطرده حتى أدخله الحرم فأصابه لم يضمنه، ولو أرسل سهمه على صيد في الحل فأطارته (١) الريح حتى قَتَل صيدًا في الحرم ضمنه، وكلاهما تولَّد القتل فيه عن فعله، وفرّقتم بأن الرمي حصل بمباشرته وقوّته التي أمدّت السهم فهو محض فعله، بخلاف مسألة الكلب فإن الصيد فيه يُضاف إلى فعل الكلب، وهذا الفرق لا يصح، فإن إرسال السهم والكلب (٢) كلاهما من فعله؛ فالذي (٣) تولَّد منهما تولد عن فعله، وجَرَيانُ السَّهم وعَدْو الكلب كلاهما هو المتسبب فيه، وكون الكلب له اختيار والسهم لا اختيار له فرق لا تأثير له إذ (٣) كان اختيار الكلب بسبب إرسال صاحبه له.

وقلتم: لو رهن أرضًا مزروعة أو شجرًا مثمرًا دخل الزرع والثمر في الرهن، ولو باعهما لم يدخل الزرع والثمر (٤) في البيع، وفرّقتم بينهما بأن الرهن متصل بغيره، واتصال الرهن بغيره يمنع صحته؛ للإشاعة (٥)، فلو لم يدخل فيه الزرع والثمرة لبطل، بخلاف المبيع، فإن اتصاله بغيره لا يبطله، إذ الإشاعة لا تنافيه، وهذا قياس في غاية الضعف؛ لأن الاتصال هنا اتصال مجاورة، لا إشاعة، فهو كرهن زيت في ظروفه (٦) وقماش في أعداله ونحوه.

وقلتم: لو أُكره على هبة جاريته لرجل فوهبها له مالكها فأعتقها الموهوب له نفذ عتقُه، ولو باعها لم يصح بيعه، وهذا خروج عن محض القياس، وتفريقكم -بأن هذا عتق صدر عن إكراه والإكراه لا يمنع صحة العتق، وذلك (٧) بيعٌ صدر عن إكراه والإكراه يمنع صحة البيع- لا يصح؛ لأنه إنما أكره على التمليك، ولم يكن للمكره غرض في الإعتاق، والتمليك لم يصح، والعتق لم يكره عليه فلا ينفذ كالبيع سواء، هذا مع أنكم تركتم القياس في مسألة الإكراه على البيع والعتق،


(١) في (ك) و (ق): "فطارت به".
(٢) في (ق): "الكلب والسهم".
(٣) في (ق): "إذا".
(٤) في (ك) و (ق): "الثمرة".
(٥) في المطبوع و (ك): "صحة الإشاعة".
(٦) في (ق): "ضروفه".
(٧) في (ق): "وذاك".

<<  <  ج: ص:  >  >>