للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصححتم العتق (١) دون البيع، وفرّقتم بأن العتق لا يدخله خيار فصح مع الإكراه [كالطلاق، والبيع يدخله الخيار فلم يصح مع الإكراه] (٢)، وهذا فرق لا تأثير له، وهو فاسد في نفسه؛ فإن الإقرار والشهادة والإسلام لا يدخلها خيار، ولا تصح مع الإكراه، وإنما امتنعت عقود المكره من النفوذ لعدم الرضى الذي هو مُصحِّحُ العقد، وهذا (٣) أمر تستوي فيه عقوده كلها معاوضاتها (٤) وتبرعاتها وعتقه وطلاقه وخلعه وإقراره، وهذا هو محض القياس والميزان؛ فإن المُكْرَه محمول على ما أكره عليه غير مختار له، فأقواله كأقوال النائم والناسي، فاعتبار بعضها وإلغاء بعضها خروج عن محض القياس، وباللَّه التوفيق.

وقلتم: لو وقع في الغدير العظيم -الذي إذا حُرِّك (٥) أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر- قطرة دم أو خمر أو بول آدمي نجَّسَه كله، وإذا وقع في آبار الفلوات والأمصار البعرُ والرَّوثُ والأخباثُ لا تنجِّسها (٦) ما لم يأخذ وجه ربع الماء أو ثلثه، وقيل: أن لا يخلو دلوٌ عن شيء منه، ومعلوم أنَّ ذلك الماء أقرب إلى الطيب والطهارة حسًا وشرعًا من هذا؛ ومن العجب أنكم نجَّستُم الأدهان والألبان والْخَلَّ والمائعاتِ بأسرها بالقطرة من البول والدم، وعفوتم عما دون ربع الثوب من النجاسة المخففة، وعما دون [قدر] (٧) الكف من المغلَّظة، وقستم العفو عن ربع الثوب على وجوب مَسْح ربع الرأس ووجوب حَلْق ربعه في الإحرام، وأين مسح الرأس من غسل النجاسة؟ ولم تقيسوا الماء والمائع على الثوب مع عدم ظهور أثر النجاسة فيها (٨) ألبتة وظهور عينها ورائحتها في الثوب، ولا سيما عند محمد (٩) حيث يعفو عن قدر ذراع [في ذراع] (١٠)، وعند أبي يوسف عن قدر شبر في شبر (١١)، وبكل حال فالعفو عما هو دون ذلك بكثير مما لا نسبة له إليه


(١) في (ق): "المعتق".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٣) في (د): "وهو أمر. . . ".
(٤) في (د) و (ك): "معاوضتها".
(٥) في المطبوع: "تحرك".
(٦) في (ق): "ينجسها".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٨) في (ق): "فيهما".
(٩) هو محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنبفة، ومثله المذكور بعد ذلك: أبو يوسف، وهو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي -رحم اللَّه الجميع-.
(١٠) "الاختيار" (١/ ٧٢) ونقله الطحاوي في "مختصره" (٣١) عن أبي يوسف.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(١١) "الاختيار" (١/ ٧٢) ونقله الشاشي في "الحلية" (٢/ ٤٤) عن أبي بكر الرازي.

<<  <  ج: ص:  >  >>