للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفعهُ للنِّكاح المتيقِّن بقول الأمة السوداء إنها أرضعت الزوجين (١)؛ فإن أصل الأبضاع على التحريم، وإنما أبيحت الزوجة بظاهر الحال مع كونها أجنبية، وقد عارض هذا الظاهر ظاهرٌ مثله أو أقوى منه وهو الشهادة، فإذا تعارضا تساقطا (٢) وبقي أصلُ التحريم لا معارض له؛ فهذا الذي حكم به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو عين الصواب ومحض القياس، وباللَّه التوفيق.

ولم يتنازع الفقهاء في هذا النوع، وإنما تنازعوا في بعض أحكامه لتجاذب المسألة أصلين متعارضين، مثاله أن مالكًا منع الرجل إذا شك هل أحدث أم لا من الصلاة حتى يتوضأ، لأنه وإن كان الأصل بقاء الطهارة فإن الأصل بقاء الصلاة في ذِمّته (٣)، فإن قلتم: لا نخرجه من الطهارة [بالشك] (٤)، قال مالك: [ولا ندخله في الصلاة بالشك] (٥)، فيكون قد خرج منها بالشك، فإن قلتم: يقين (٦) الحدث قد ارتفع بالوضوء فلا يعود بالشك، قال منازعكم (٧): وبقين البراءة الأصلية قد ارتفع بالوجوب فلا (٨) يعود بالشك، قالوا: والحديث الذي تحتجون به من أكبر حُجَجِنا، فإنه مَنَع المصلي بعد دخوله في الصلاة بالطهارة المتيقَّنة أن يخرج منها بالشك، فأين هذا من تجويز الدخول فيها بالشك (٩)؟ ومن ذلك لو شك هل طَلَّق واحدة أو ثلاثًا فإن مالكًا يلزمه بالثلاث؛ لأنه تيقن طلاقًا وشك هل هو ممَّا تُزيلُ أَثَره الرَّجعةُ أم لا، وقول الجمهور في هذه المسألة أصح؛ فإن النكاح متيقن فلا يزول بالشك، ولم يعارض يقين النكاح إلا شك محض فلا


= فلم يدر كم صلّى، ثلاثًا أو أربعًا، فليطرح الشك، وليَبْن على ما استيقن، ثم يسجدُ سجدتين قبل أن يُسَلِّم، فإن كان صلّى خمسًا، شَفَعْنَ له في صلاته، وإنْ كان صلّى إتمامًا لأربع، كانتا ترغيمًا للشيطان".
(١) سبق تخريجه.
(٢) في (ك): "وتساقطًا"، انظر -لزامًا- "القواعد الفقهية" لابن رجب (٣/ ١٦٢ - بتحقيقي).
(٣) انظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ٢٧٢)، و"إغاثة اللفهان" (١/ ١٧٥ - ١٧٦).
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٥) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "لا يدخل في الصلاة".
(٦) في (ق) و (ك): "تيقن".
(٧) في المطبوع و (ق) و (ك): "منازعهم".
(٨) في (ق): "ولا".
(٩) كتب هنا في هامش (ق): "في صحيح مسلم" عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا، فأشكل عليه، أخرج منه شيء أم لا؛ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، قال الجمهور: وهذا عام في حال الصلاة وغيرها".
قلت: وانظر تفصيل المسألة في "الخلافيات" للبيهقي (مسألة رقم ١٧ - بتحقيقي).

<<  <  ج: ص:  >  >>