للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فههنا (١) سؤالان: أحدهما: أنكم هلَّا أعطيتموها ثلثَ جميع المال في مسألة زوجة وأبوين؛ فإن الزوجة إذا أخذتِ الرُّبعَ وأخذت هي الثلث كان الباقي للأب وهو أكثر من الذي أخذته، فوفيّتُم حينئذ بالقاعدة، وأعطيتموها الثلثَ كاملًا، والثاني: أنكم هلَّا جعلتم لها ثلثَ الباقي إذا كان بدل الأب في المسألتين جَدٌّ.

قيل: قد ذهب إلى كل واحد من هذين المذهبين ذاهبون من السلف الطيب، فذهب إلى الأول محمد ابن سيرين (٢) ومَنْ وافقه، وإلى الثاني عبد اللَّه بن مسعود (٣)، ولكن أبى ذلك جمهورُ الصحابة والأئمة بعدهم، وقولُهم أصحُّ في الميزان وأقرب إلى دلالة الكتاب؛ فإنا لو أعطيناها (٤) الثلث كاملًا بعد فرض الزوجة (٥) كنّا قد خَرَجْنَا عن قاعدة الفرائض وقياسها (٦) وعن دلالة الكتاب، فإن الأب حينئذٍ يأخذ [رُبُعًا وسُدُسًا] (٧)، والأم لا تساويه ولا تأخذ شطره، وهي في طبقته، وهذا لم يشرعه اللَّه قط، ودلالة الكتاب لا تقتضيه؛ وأما في مسألة الجد فإن الجد أبعد منها، وهو يُحجَب بالأب، وليس في طبقتها فلا يُحجبُها عن شيء من حَقِّها، فلا يمكن أن تُعطى ثُلثَ الباقي ويُفضل الجد عليها بمثل ما تأخذ، فإنها أقرب منه، وليس في درجتها، ولا يمكن أن تُعطى السُّدس؛ فكان فرضها الثلث كاملًا.

وهذا مما فهمه الصحابة -رضي اللَّه عنهم- من النصوص بالاعتبار الذي هو في معنى


(١) في (ق): "ههنا".
(٢) انظر: "المحلى" (٩/ ٢٦٩ - ٢٧٠)، و"معجم فقه السلف" (٦/ ٢٥٧ - ٢٥٨).
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١٠/ ٢٧٠ رقم ١٩٠٧٢)، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (٩/ ٢٩٥) ورواه البيهقي في "سننه الكبرى" (٦/ ٢٥٠) من طريق يزيد بن هارون كلاهما عن سفيان الثوري -وهو في "الفرائض" (رقم ٢٧) وسقط منه ذكر (ابن مسعود)!! - عن الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال في جد وابنة وأخت: هي من أربعة، للبنت سهمان، وللجد سهم، وللأخت سهم، فإن كانتا أختين فمن ثمانية، للبنت أربعة وللجد سهمان، وللأخت بينهما سهمان، فإن كن ثلاث أخوات فمن عشرة، للبنت خمسة أسهم، وللجد سهمان، وللأخوات ثلاثة أسهم بينهن. وإسناده على شرط الشيخين وانظر: "الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (٥/ ٢١٤) وتعليقي عليه.
(٤) في المطبوع: "لو أعيناها".
(٥) في (ن): "الزوج".
(٦) في (ق) و (ك): "عن قاعدة الفرائض وقاعدتها".
(٧) في (ن): "السدس".

<<  <  ج: ص:  >  >>