للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان أَشْبَهَ وَلَدِ عُمَرَ به، وأبوه كان يُشْبِه أباه.

قالَ مَالكٌ: ولم يكن أَحَدٌ في زَمانِهِ أشْبَهَ بمَنْ مضى من الصَّالحينَ في الزُّهْدِ والقَصْدِ والعَيْشِ منه، كانَ يَلْبَسُ الثَّوبَ بِدِرْهَمَينِ، ويَشْتَري الثيابَ يَحْمِلُها.

زاد غيرُه: إنَّ سُليمانَ بنَ عبدِ الملكِ [قال له] (١) -وقد رآه حَسَنَ السِّحْنَةِ-: أيُّ شيءٍ تَأْكُلْ؟ قال: الخبزَ والزَّيتَ، وإذا وَجَدْتُ اللَّحْمَ أَكَلْتُه.

وكانَ لا يأكلُ إلا ومعه مِسْكينٌ، ويَخْضِبُ بالحِنَّاءِ، وله حِمَارٌ هَرِمٌ، فنهاه بَنُوهُ عن رُكوبهِ فأبى، فَجَدَعُوا أَنْفَهُ، فأبى أَيْضاً، فَقَطَعُوا أُذنيه فأبى، وكان يَرْكَبهُ أَجْدَعَ الأذنين، مقطوعَ الأنفِ والأذنِ.

ورآه هشامُ بنُ عبدِ الملكِ يطوفُ بالكعبةِ فقال له: سَلْنِي حاجَةً. فقال: إني أَسْتَحْيِي مِنَ الله أن أَسْأَل في بَيْتهِ غَيرَهُ حاجةً، فلما خرجَ لحِقَهُ وقال له: الآنَ خَرَجْتَ. فقال. واللهِ ما سَألتُ الدُّنيا مَنْ يَمْلكُها، فكيف أَسْألهُا مَن لا يَمْلِكُها.

وكان أبوه يُقَبِّلُهُ ويقول: شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخًا، ويقول: إني أُحِبُّكَ حُبَّينِ: حُبَّ الإسلامِ وحُبَّ القَرابةِ. وإذا ليمَ في حُبِّهِ يقول (٢):

يَلُومونَنِي في سالمٍ وألومُهمْ … وجِلْدَةُ ما بَيْنَ العَيْنِ وَالأنفِ سَالِمُ


(١) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، وما أثبتُّه من "تهذيب الكمال" ١٠/ ١٤٩، و"تذكرة الحفاظ " ١/ ٨٩.
(٢) البيت في " ديوان الأدب "، للفارابي ١/ ٣٦٠، و" الصحاح "، و" التكملة والذيل ": سلم.
قالَ الفارابيُّ: وقال بعضهم: يقال للجلدة التي بين العين والأنف: سالم، وكذا نقله عنه الجوهريُّ.
قالَ الصاغانيُّ مستدركا عليه: وهذا غلطٌ، وقد تبع خاله الفارابيَّ في أخذه اللُّغة من معنى الشعر.