للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقرأتُ في "تاريخ ابن فرحون": هو الفقيهُ الأجلُّ، العالمُ العاملُ، المتقنُ، بهاءُ الدِّينِ، كانَ مِن إخواننِا الكبار، وأصحابنِا الأخيار، انقطعَ في الحرمِ الشَّريفِ غالبَ نهارِهِ للتدريسِ والإفادة، مع محبَّته في الطَّلبة، والحرصِ على إفادتهم، حتَّى إنَّه إذا تأخَّرَ مجيء الطالبِ يجيئُهُ إلى بيته، وقرأ عليه بعضُ الطلبة جميعَ "الكافيةِ" لابن الحاجبِ بحثًا في بيته ليلًا، وكانَ في الأصلينِ والفقهِ والعربيةِ إمامِ زَمَنِهِ، مع حلمٍ وأدبٍ وعقلٍ راجحٍ وحُسنِ خُلقٍ، وربَّما لحقتْهُ حِدَّةٌ في البحثِ، ثمِّ يرجعُ، ويستغفرُ، وينصفُ (١) في المجلس، وكثيرًا ما كانَ يقولُ لي: بالله لا تأخذْ عليِّ في البحثِ، فما أُراجعُكَ إلا طلبًا للاستفادة، وكانَ عفيفًا عن كلِّ مَا يدنِّسُ (٢) العِرضَ، ولم أَرَ أوفى منه في حفظِ أصحابِه غيبةً وحضورًا، خرجَ إلى مكَّةَ حاجًّا في سنةِ ثمان وخمسين وسبعِ مئةٍ، فرماه بعيرُهُ في المحاطبِ، قريبًا مِن مضيقِ المنحنى، فيَبِسَتْ أعضاؤُهُ، وبَطَلَتْ أكثرُ حركاتِهِ، فحُملَ إلى مكَّةَ، وتأخَّرَ عن الحجِّ، ودَّعناه عندَ توجُّهِنا إلى المدينةِ، فأوصانا بولديه: صدرِ الدِّينِ، وأبي عبدِ اللهِ، ثمَّ لم يقمْ بعدَ ذلكَ إلا قليلًا، وماتَ رحمَه اللهُ.

٣٠٨٨ - عمرُ بنُ محمَّدِ بنِ جُبَيرِ بنِ مُطْعَمِ بنِ عَديِّ بنِ نَوْفلِ بنِ عبدِ مَنافٍ، القُرشيُّ، النَّوفليُّ، المدَنيُّ (٣).


(١) في الأصل: ويتصف، والمثبت من "نصيحة المشاور".
(٢) في الأصل: يدلس، والمثبت من "نصيحة المشاور".
(٣) "الميزان" ٣/ ٢٢٠.