للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النّساءِ. وما فاتَتْهُ التَّكبيرَةُ الأُولى مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَة، وَلَمْ يَنْظُرْ فيها لِقَفَا رَجُلٍ. يَعْنِي: لمُحافَظَتِهِ على الصفِّ الأَوَّلِ، وَلَمْ يَأْخُذْ العَطاءَ، بَلْ كانت له أَرْبَعُ مئة دِينارٍ يَتَّجِرُ بِها في الزَّيْتِ، وكذا كان أبوه يَتَّجِرُ فيه.

وَدَعاهُ هِشامُ بنُ إسماعيلَ المَخْزُومِيُّ عاملُ المدينةِ إلى بَيْعَةِ الوَلِيدِ؛ إِذْ عَقَدَ له أبوه عبدُ المَلِكِ بالخلافةِ، فَأَبَى وقال: أَنْظُرُ ما يَصْنَعُ النَّاسُ، فَضَرَبَهُ سِتِّينَ سَوْطًا، وَطُوِّفَ بِهِ في تُبَّانٍ (١) مِنْ شَعَرٍ حتى بَلَغَ رَأْسَ الثَّنِيَّةِ، فَلَمَّا كَرُّوا بِهِ قال: إلى أَيْنَ؟ قالوا (٢): السِّجْن. فقال: والله لولا أنّي ظَنَنْتُ أنَّه الصَّلْبُ ما لَبِسْتُ هذا التُّبَّانَ أَبَدًا. فَرَدُّوهُ إلى السِّجْنِ، فَأَنْكَرَ عبدُ المَلِكِ ذلك ولم يَرْضَهُ، وقال: والله إنَّه كان أَحْوَجَ إلى أَنْ تَصِلَ رَحِمهُ مِنْ أَنْ تَضْرِبَهُ، وإنَّا لَنَعْلَمُ أنَّ ما عِنْدَه شِقاقٌ وَلَا خِلافٌ، ثمَّ أَطْلَقَهُ هِشامٌ بَعْدُ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ.

وَدَخَلَ بَعْضُهُم عليه السِّجْنَ، فإذا هو قَدْ ذُبِحَتْ له شاةٌ، وَجَعَلَ الإهابَ على ظَهْرِهِ، ثُمَّ جَعَلُوا له بعدَ ذلك قَصبًا رَطْبًا، وكان كُلَّما نَظَرَ إلى عَضُدَيْه قال: اللَّهم انْصُرْنِي مِنْ هِشامٍ.

وقال لأبي بَكْرِ بنِ عبدِ الرَّحمن: -وَقَدْ دَخَلَ عليه السِّجْنَ وقال له: إنَّك أَخْرَقْتَ بِه ولم تَرْفُقْ-: يا أبا بَكْير، اتَّقِ اللهَ، وآثِرْهُ على ما سِوَاه. وأبو بكرٍ يقول: إنَّكَ أَخْرَقْتَ بِه. فقال: واللهِ إنَك أَعْمَى البَصَرِ وَالقَلْبِ.


(١) التُّبَّان: سراويلُ صغير يَسْتر العورة المغلَّظة فقط. "النهاية" ١/ ١٨١.
(٢) في المخطوطة: قال.