للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالَ غيرُه: إنه قوَّامٌ باللَّيلِ، صوَّامٌ بالنَّهار، يسمَّى حمامةَ الحرم، وإذا كانَ في الصَّلاةِ كأنِّه خشبةٌ منصوبةٌ لا يتحرَّكٌ، وما كانَ بابٌ مِن العبادةِ يعجزُ النَّاسُ عنه إلا تكلَّفَه.

ولقد جاءَ سيلٌ طبَّق البيتَ، فجعلَ يطوفُ سباحةً، ولم يزلْ بالمدينةِ في خلافةِ معاويةَ، ثمَّ خرجَ إلى مكَّةَ، ولزمَ الحِجْرَ، وحرَّضَ على بني أُميَّةَ، وعاذَ بالبيتِ، فكتبَ يزيدُ بن معاويةَ لوالي المدينةِ عمروِ بنِ سعيدٍ أن يُوجِّهَ إليه جندًا، فبعثَ لقتالِه أخاه عَمرًا في ألفٍ، فظفرَ ابنُ الزُّبير بأخيه، وعاقبه، ونحَّى الحارثَ بنَ يزيد عن الصَّلاةِ بمكَّةَ، وجعلَ مصعبَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ يُصلِّي بالنَّاسِ.

والتفَّتْ على ابنِ الزُّبيرِ خلقٌ، وحجَّ بالنَّاسِ عشرَ سنين، آخرُها سنةَ إحدى وسبعين، ودعا لنفسِه، فبُويعَ، وولَّى على المدينةِ أخاه مصعبًا، وولَّى آخرينَ على غيرِها مِن الجهاتِ، واستمرَّ إلى أن خذلَه مَنْ كانَ معه، وصاروا يخرجون إلى الحجَّاجِ بنِ يوسفَ حتَّى قتلَه، وصلبَه في ولايةِ عبدِ الملكِ بنِ مروانَ في جُمادى الآخرةِ سنةَ اثنتين وسبعين، ومرَّ به ابنُ عمرَ وهو مصلوبٌ على جِذعٍ مُنكَّسًا، فبكى، وقالَ: يرحمُكَ اللّهُ أبا خُبيبٍ، ما علمتُك [إلا] (١) صوَّامًا قوَّامًا، وإنَّ قومًا أنت شرُّهم لخيارٌ.

وقيل: إنَّ ابنَ أبي حازمٍ غسَّلَ رأسَه، وحنَّطه، وكفَّنه، وصلَّى عليه، وبعثَ به إلى أهلِه بالمدينةِ، فدفنوه بها. وترجمتُه ومناقبُه وأخبارُه تحتملُ مجُيلِدًا، وهو في


(١) سقطت من الأصل.