للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقِيلَ لهُ: إِنَّه خرجَ إلى الشَّامِ، فبعثَ في أثَرِهِ، فبَانَ أنَّهُ إنَّمَا خرجَ لمِكَّةَ.

ولمّاَ قالَ مُعاويةُ بحضرتِهِ: مَنْ أحقُّ بهذا الأمرِ مِنَّا؟ أرادَ أنْ يقولَ: أحقُّ بهِ مِنكَ مَنْ ضربَكَ عليهِ وأباكَ، ثُمَّ خَشيَ الفتنةَ، فسكتَ، وذكرَ ما أعدَّ اللهُ في الجِنَانِ.

وقالَ لهُ رجلٌ: مَا أحدٌّ شرٌّ لأمَّةِ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مِنْكَ! قالَ: ولمَ؟ قالَ: لأنّكَ لو شئْتَ ما اختلفَ فيكَ اثنانِ. قالَ: ما أُحبُّ أنَّها أتتْنِى ورَجلٌ يقولُ: لا، وآخرُ يقولُ: بلى.

وقَدِمَ حَاجًّا فدَخَلَ عليهِ الحجَّاجُ، وكانَ الخليفةُ أمرهُ أنْ يقْتَدِيَ بهِ، وقدْ أصابهُ زُجُّ (١) رُمحٍ، فقالَ [الحجَّاجُ]: مَنْ أصابَكَ؟ قال: أَصَابَنِي مَنْ أمرتموهُ بِحملِ السِّلاحِ في مَكانٍ لا يحلُّ فيهِ حملُهُ (٢).

وكانَ مِمَّنْ يصلحُ للخِلَافَةِ، فعُيِّنَ لذلكَ يوم الحكمَينِ معَ وجودِ الإمامِ عليٍّ وفاتحِ العراقِ سعدٍ، ونحوِهِمَا.

واعتزَلَ في الفِتنِ عنِ النَّاسِ، وكانَ مولدُهُ قبلَ الوحيِ بسنةٍ، وماتَ بمكَّةَ سنةَ أربعٍ وسبعينَ على الصَّحِيحِ عنْ أربع وثمانِينَ.

وأوصَى عِندَ موتِهِ أنْ يُدفنَ خَارجَ الحرَمِ، فلمْ يُقْدَرْ على ذلك مِنَ الحجَّاجِ، فَدُفِنَ بفخٍّ (٣) في مقبرةِ المُهاجرينَ، بعدَ أنْ صلَّى عليهِ الحَجَّاجُ، وحديثُهُ في "السِّتةِ"،


(١) الزُّجُّ: الحديدةُ التي في أسفل الرُّمح. "الصحاح": زجج.
(٢) أخرجه البخاريُّ في كتاب العيدين، باب: ما يُكره من حمل السلاح في العيد والحرم (٩٦٦).
(٣) فخٌّ: وادٍ بمكَّة. "معجم البلدان" ٤/ ٢٦٩.