للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خلفَ قبَّةِ العبَّاسِ عن ثلاثٍ وسبعينَ سنةً.

قالَ ابنُ رُشيدٍ (١): وكانَ قد حجَّ مِن بغدادَ سنةَ خمسٍ وثلاثين، ورجعَ إلى الشَّامِ، ونالَ بِهَا وبِمصرَ الزُتبةَ العُليا، والجاهَ العظيمَ عندَ السُّلطانِ، ولم يزلْ كذلكَ إلى سنةِ سبعٍ وأربعين، حتَّى وصلَ الفرنسيسُ إلى الدِّيارِ المصريةِ، في العام المعروفِ بعامِ دمياط عام هياط ومياط (٢)، فأقامَ بها بالمنصورةِ مع المحلَّةِ، إلى أن اشتدَّ أمرُ العدوِّ في بعض تلك الأيام، فاتَّفق هو وبعضُ أصحابِهِ على التَّهيؤِ للجهادِ حتى يستشهِدوا، فخرجَا وقاتلًا، ففاز ذاكَ بالشهادةِ، وتأخَّر هو لما أرادَ الله لهُ من أنواع السَّعادةِ، فعاد إلى العسكرِ جريحًا حسبما ذكرهُ في مؤلَّفِهِ في "غزوةِ دمياط".

وحين انقضى أمرُ العدوِ رأى أنْ لا يرجِعَ في هيئتِهِ، فتوجَّهَ إلى حرمِ الله المكي واستوطنهُ، ولم ينفكَّ عنه مع كثرةِ ترغيبِ الملوكِ له، ورغبتِهم في وفودهِ عليهم شامًا ويمنًا، لم يخرجْ منه إلا إلى الزِّيارةِ النَّبوية، وإلى ذلك أشار بقولِه (٣):

إذا ما عَنَّ لي شَجَنٌ … فَمِنْ حَرَمٍ إلى حرمِ

انتهى.


(١) "ملء العيبة" قسم الحرمين، ص:١٤٦.
(٢) الهِياطُ: الإقبالُ. المِياطُ: الدَّفعُ والزَّجرُ. "تاج العروس": هيط، ميط.
وفي "أدب الكتاب" لابن قتيبة ١/ ٣٨: القومُ في هِياط ومِياطٍ، أي: القومُ في شِدَّةٍ واختلاط.
(٣) البيت في "ملء العيبة، ص:١٦٦، وذكرَ تتمة القصيدة.