مَن يراهُ أنه قامَ مِن مرضٍ، لصُفرةِ لونهِ وشدَّةِ ضَعفه، ولا يزال مكشوفَ الرَّأسِ، ذا شعرةٍ مسدولةٍ إلى شحمةِ أذُنيهِ، لا يحلقُ رأسَهُ إلا في الحجِّ اتِّباعًا للسَّلفِ، وكانت لهُ أحوالٌ ومكاشفاتٌ صحيحةٌ ظاهرةٌ. وممَّن صحِبهُ ولازمهُ ابنُ أخِي محمَّدُ بنُ محمَّدٍ، فكانَ يحكِي عنهُ أحوالًا جليلةً.
وكانَ خرُوجُه من الأندلسِ ماشيًا حتَّى وصلَ مكَّةَ، فأقامَ بِهَا سنينَ، وسكنَ فيها برباطِ ربيعٍ، وذكرَ أنَّه كانَ يَومًا ينزِفُ الماءَ مِن بئرِهِ، فثقلت بهِ الدَّلوُ، فوقعَ بالبئرِ، وهي مِن أطولِ آبارِ مكَّةَ، فنزلوا إليهِ، فوجدُوه سالمًا صحيحًا، ثمَّ ارتحلَ إلى المدِينَةِ فسكَنَ بالرِّباطِ المذكورِ، وكان بينَهُ وبينَ الشَّيخِ مُوسَى الغراويِّ شنآن وفتنٌ، لكونِ صاحبِ التَّرجمةِ كانَ قد اشتغَلَ بالعلمِ، وصحِبَ شيوخَ المغربِ أهلَ التربيةِ والدِّرايةِ، فكان ينكرُ عليهِ بعضَ أحوالهِ الخارجةِ عن قانونِ الشَّرعِ، بحيثُ يفضي إلى التَّهاجُرِ والشرِّ.
وحكى لي صاحبُ الترجمةِ أنَّ الأسدَ عرضَ له في طريقِهِ في ليلةٍ، وكانَ وحدَهُ، قال: فجلستُ بينَ يديه، فصارَ ساعةً يَصِيحُ ويضرب بذنبهِ، وساعة يَعلُو عليَّ بيديهِ، ثم يرجعُ عني، ويكفُّ يديه، كأنْ مِنْ غِلِّهَا، ولم يزل هذا دأبَهُ معي إلى أن تبلَّجَ الصبَّاحُ، فانصرفَ وتركَنِي.
وكانتْ له كراماتٌ وعجائبُ ومُغرِباتٌ، يكادُ يحكِي بعضَها إذا طابتْ نفسُهُ، وانشرحَ بجلِيسِهِ قلبُهُ، وقد جرَى لي معهُ ما أكَّدَ عندِي وِلايتَهُ.
ماتَ سنةَ أربعٍ وخمسينَ وسبعِ مئةٍ.
وذكرهُ ابنُ صالحٍ، فقال: عثمانُ المراغيُّ، غزَا في الجهادِ بالمغربِ، ورأَى بالمغربِ