للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكانَ صالحًا مُجمَعًا على محبَّتِهِ، لمزيد تودُّدِهِ وإنصافِه، وإيناسِه وسخائِه، معَ كثرةِ العبادةِ مِن الصِّيامِ والقيامِ والتلاوةِ، ومداومةِ الاعتمارِ في الأشهرِ الثلاثةِ كلَّ يوم مرَّتين، ونهايةِ الورعِ والاحتمالِ، ومزيدِ إكرامِهِ لأهلِ الحرمين، بحيثُ يكون يومُ دخولِه لهم كالعيد.

وأوَّلُ زيارتِه كانتْ صُحبةَ الشَّيخ عمرَ العرابي مِن طريقِ الماشي، وما كانَ قُوتُهما إلا ورقَ الشَّجر، وكانَ كثيرَ الإحسان إلى الشَّيخِ عمرَ، بل هو السَّببُ في نُقلتِه مِن اليمنِ إلى مكَّةَ، وصُحبتُهما مِن حينِ الشُّبوبيةِ، وندبَه الشَّيخُ عمرُ لشراءِ رباطٍ التُمِسَ منه ففعلَ، وصارَ مشتهرًا به. إلى غيرِ ذلكَ ممَّا قامَ به من الفتوحات، كعمارةِ ما انهدمَ مِن مسجدِ الخَيف، وبناءِ بئرٍ في طريقِ الماشي كانت انهدمت.

ولم يزلْ في ارتقاءٍ بحيثُ تزايدَ اعتقادُ ملوكِ اليمنِ وشرفاءِ صنعاءَ ومكَّةَ، بل أمراء مصرَ، وصاحبِ المغرب أبي فارس (١)، بحيثُ كانَ يرسلُ له كلَّ عامٍ مبلغًا للبَيْمَارِسْتَان (٢). وكانَ صاحبُ مكَّةَ الشريفُ حسنُ بنُ عجلانَ زائدَ الإجلالِ له ويقولُ: ما رأيتُ في المشايخِ أعرفَ بأحوالِ الطوائف على اختلافِ طبقاتِهم [منه] (٣). ماتَ في شوَّالٍ سنةَ إحدى وثلاثين وثماني مئةٍ بمكَّةَ، ودُفنَ


(١) عبدُ العزيزِ بنُ أحمدَ الحفصيُّ، الهنتاتيُّ، أبو فارسٍ، ملكُ المغربِ، وصاحب تونس، كانَ موفَّقًا حازما، فيه بأسٌ ورفق، ودِيانةٌ وجُودٌ، ماتَ سنة ٨٣٧ هـ. "الضوء اللامع" ٤/ ٢١٤.
(٢) البيمارستان، أو المارَسْتانُ، بفتح الرَّاء: دارُ المرضى، وهو معرب. "لسان العرب": مرس.
(٣) ما بين القوسين من "الضوء اللامع" ٦/ ٢٧.