للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ ابنُ فرحونٍ (١): إنَّ بلدَه الأندلسَ مِن أعمالِ الجزيرةِ الخضراءِ (٢)، وله معَ الفرنجِ وقائعُ ومواطنُ عجيبةٌ، وكانَ أبوه شيخَ بلده، فلمَّا ضَعُفَ أهلُ تلك النَّاحيةِ وغلبَ عليه الفِرنجُ، خَرجوا مِن تلكَ البلادِ، وتوجَّهَ هذا هو وأخوه إلى الحجازِ، فماتَ أخوه بنواحي الشَّامِ، ووصلَ هذا إلى المدينةِ، فأقامَ بها، وصحبَ أبا محمَّدٍ البَسْكَرِيَّ، وجماعتَهُ.

وكانَ على قَدَمٍ عظيمِ في الصَّلاحِ والخيرِ، ومحبَّةِ الصَّالحينَ، وقضاءِ حوائِجِهم، وعدمِ الاكتراثِ بالدُّنيا في المأكلِ والملبسِ.

قالَ (٣): وكانتْ له عليَّ تربيةٌ وشفقةٌ؛ فإنَّه كانَ يحملُني في صِغري، ويُفْكِهُ أصحابه بي، ولما حجَّ أبي بأمِّي وكنتُ مُرضَعًا كانَ يقوم عن أمِّي بتربيتي، حتَّى إنَّه كانَ يتنجَّسُ مرارًا فلا يتقذَّرُ، ولا يتسخَّطُ، فله عليَّ حقٌّ يستوجبُ الدُّعاءَ مني، وكانَ له مِن الخُدَّامِ أَخَوانِ صالحان، ولمَّا بنى دارَه ساعدَه فيها إخوانه، فخفَّتْ عليه مؤنتها.

ماتَ سنةَ إحدى وأربعين وسبعِ مئةٍ. وله أولادٌ صلحاءُ، وذريَّةٌ فقهاءُ، انتفعَ بهم أهلُ زمانِهم.

وذكرَه ابنُ صالحٍ، وقالَ: إنَّه تزوَّجَ، ورُزقَ أولادًا، بقي منهم عبدُ اللهِ،


(١) "نصيحة المشاور" ص ١١٧ بتصرف.
(٢) الجزيرة الخضراء: مدينة مشهورة، بينها وبين قرطبة ٥٥ فرسخًا. "معجم البلدان" ٢/ ١٣٦.
(٣) أي ابن فرحون.