للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويقتاتُ بالبقول، ويتتبعُ مجتمعاتِ الماءِ التي يُربَّى فيها الحوت، كفحل والسُّدِّ (١) وغيرهما، فيصيدُ منه شيئًا يقتاتُ به، وشيئًا يهديه لأصحابِه وأحبابِه. وبلغَ مِن قوَّةِ عزيمته في دِينِه أَنْ جعلَ في عنقِه غِلًّا ثقيلًا يتذكَّرُ به حالَ الآخرة، ونُهي عن ذلك فأبى، حتَّى قيلَ له: إنَّك به خالفتَ السُّنَّة، وارتكبتَ البِدعةَ، فتركَه بعدَ شِدَّةٍ.

وكانَ يسرُدُ الصَّومَ أبدًا حتَّى العيدين، فقيلَ له أيضًا في ذلكَ، فقالَ: إنْ أكلتُ شيئًا مرضتُ، فقيل له: فكُلْ؛ ولو مثلَ حبةٍ مِن الطَّعام، وإلا تأثمُ بالإجماع، فكأنَّه فعلَ. ماتَ في خُلَيْصٍ (٢) مُتوجِّهاً إلى مكَّةَ، سنةَ تسعٍ وأربعين وسبعِ مئةٍ، رحمَه اللهُ.

وقالَ المجدُ (٣): مِن المنقطعينَ عن هذه الدَّار، ملازمًا للسِّياحةِ في الجبالِ والبَرار، لا يدخلُ المدينةَ إلا مِن جُمعةٍ إلى جمعةٍ، ويقتاتُ بالبقول، ويتتبع مساكات (٤) المياه والأنهار التي بين الجبال، كغُدْرَانِ ورِقَان، ونعمان (٥) والسُّد وغيرها، فيصيد منها ما تيسَّرَ مِن الحُوت، ويُهيِّئ لنفسِه منه بعضَ القوت، وما فضلَ منه يهديه إلى أحبابِه، ويُفَرِّقه على أصحابِه.


(١) في "نصيحة المشاور" ص ١٣٤: كنفج والسَّدّ.
والسُّد: ماء سماءٍ، جبل شوران مُطِلٌّ عليه، ومن السُّدّ قناة إلى قباء. "المغانم المطابة" ٢/ ٨٣٦.
(٢) خُلَيْص: حصن بين مكة والمدينة. "معجم البلدان" ٢/ ٣٨٧.
(٣) "المغانم المطابة" ٣/ ١٢٦٧.
(٤) المسَّاكات: جمع مساك، وهو الموضع يمسك الماء. "القاموس": مسك.
(٥) في الأصل غير واضحة والمثبت من "المغانم" ٣/ ١٢٦٧، ونَعمانُ: اسمُ وادٍ بجانب أُحدٍ. "عمدة الأخبار" ص ٤٣٢.