منها، وبها مِن المجاورين مملوكٌ اسمه غليبةُ، له بها سنين، فرأى في منامِه كأنَّه يقولُ له: أنتَ كلَّ ها هنا سنين، ولم تزرِ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-؟ فاعزمْ بنا لزيارتِه الشَّريفة، فوافقه، وخرجَا إلى التَّنعيم، فأحرما منه، ومشيا إلى المدينةِ بإزاري الإحرامِ، حتَّى وصلا لبابِ السَّلامِ، فالتفتَ فلم يرَ صاحبَه، معَ كونِه كانَ معَه إلى بابِ السَّلامِ، فبقي وحدَه مُتحيِّرًا، ثمَّ دخلَ مِن الباب، وهو يقولُ في خاطرِه: أنا غريبٌ، ما أعرفُ محلَّ القبرِ الشَّريفِ، وإذا بشخصٍ، فسألَه فأشارَ بأصبعِه، وقال: هو هذا الجالسُ على الكرسيِّ، فرآه وحولَه جماعةٌ محيطون به، فتقدَّمَ إليه مِن ورائهم، فانحلَّ إزارُه التَّحتانيُّ، فاشتغلَ بربطِه بحيثُ تعوَّقَ قليلًا، فرأى النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كأنَّه مختمشٌ منه، فظنَّ أنَّه ما قُبِلَ، وتشوَّشَ لذلكَ، وصارَ في حَيرةٍ وتفكُّرٍ في سببِ الإعراضِ، مع كونِه تغرَّبَ مِن بلادٍ بعيدةٍ، وأرادَ العودةَ بدونِ أَرَبٍ، وإذا بالنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يشيرُ بيدِه الكريمةِ إليه. قالَ لمَنْ حولَه: اطلبوه، فأقبل إليه، وقبَّلَ رُكبته، وقالَ: يا رسولَ الله، جئتُ أطلبُ منكَ الشَّفاعةَ والدُّعاءَ. فقالَ له: اقرأ الفاتحةَ بكمالهِا، ففعلَ إلى أن انتهى إلى آمين، ثمَّ استيقظ.
وظهرَ تأثيرُ هذه الرُّؤيا بحفظِ القرآنِ والاشتغالِ به، وبالعلمِ والقراءةِ، بمشهدِ الليث في الجَوق (١) رئاسةً، والكتابة الحسبة. وفاضتْ عليه البركاتُ، إلى أن استقرَّ في مشيخةِ الخُدَّامِ بالحرَمِ النَّبويِّ بعدَ موتِ إينال الإسحاقيِّ.