للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثُمَّ توجَّهَ في سنةِ أربعٍ وخمسين إلى فاسٍ، فاستقرَّ ببابِ أبي عنان (١)، وأنشدَ له مِن شعرِه يخاطبُ بعضَ الملوكِ:

انظرْ إلى النَّوَّارِ في أغصانِهِ … يحكي النُّجومَ إذا تَلَفَّتَ (٢) في الحَلَكْ (٣)

حيا أميرَ المسلمينَ وقالَ قد … عَمِيَتْ بصيرةُ مَنْ بِغَيْرِكَ مَثَّلَكْ

يا يوسفًا حُزْتَ الجمالَ بِأَسْرِهِ … فمحاسِنُ الأيامِ (٤) تُؤتَى هيتَ لكْ

أنتَ الذي صعِدَتْ به أوصافُهُ … فيقال فيهِ إذًا: مَلِيْكٌ أَوْ مَلَكْ

قالَ: ولم يزلْ عندَ أبي عنانٍ إلى أن نُكِبَ ثانيًا، ثُمَّ خَلَصَ فتوجَّهَ إلى المشرق، وذلك سنةَ خمسٍ وستين، فوصلَ فيها إلى تونسَ، فقرأت بخَطِّ ابن مرزوقٍ في هامش "تاريخ غرناطة": أنَّه وصلَ إلى تونسَ في سنةِ خمسٍ وستين، فَقُرِّرَ في الخطابةِ والتَّدريسِ، ومجالسةِ السُّلطانِ إلى ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ ثلاثٍ وسبعين.

قالَ: ثُمَّ توجَّهتُ في البحرِ إلى القاهرةِ، فحللتُ بها، ولقيتُ من مَلِكِها الأشرفِ شعبانَ بنِ حسينٍ الذي لم أرَ مِن الملوك مثلَهُ حلمًا وفضلًا، وجُودًا وتَلَطُّفًا ورَحمةً، وأجرى عليَّ وعلى ولدي ما قامَ به الحال، وقلَّدَني دُروسًا ومدارسَ،


(١) أبو عنان فارسُ بن عليٍّ، ملك المغرب، حكم خمس سنين، وكان مشكور السيرة، توفي سنة ٧٥٩ هـ. "النجوم الزاهرة" ١٠/ ٣٢٩.
(٢) في الأصل: بيت، والتصويب من "الدرر الكامنة".
(٣) الحلَكُ: شدة السواد. "لسان العرب": حلك.
(٤) في المخطوطة: الأنام، والتصويب من "الدرر الكامنة"، وهو المناسب للنظم.