للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعن مصعبٍ (١): أنَّ المهديَّ لما قَدِمَ المدينةَ استقبلَهُ مالكٌ وغيرُهُ مِن أشرافِها على أميالٍ، فلمَّا بَصُرَ بمالكٍ انحرفَ المهديُّ إليه، فعانَقَهُ وسلَّمَ عليه، وسايَرَهُ، فقالَ له مالكٌ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّكَ تدخلُ الآنَ المدينةَ، فتمرُّ بقومٍ عن يمينِكَ ويَسَارِكَ وهم أولادُ المها جرينَ والأنصارِ، فسلِّمْ عليهم، وذكرَ أثرًا.

وفيه أنَّ المهديَّ امتثلَ ما أشار به مالكٌ، وقالَ لمالكٍ: إني أريدُ أن أُعيدَ مِنبرَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- على حالِه، فقالَ له: إنما هو مِن طَرْفاءِ (٢) الغابةِ، وقد سُمِّرَ إلى هذه العيدانِ وشُدَّ، فمتى نزعْتَهُ خفتُ أن يهافتَ (٣) ويهلكَ، فلا أرى أن تغيِّرَهُ، فانصرفَ المهديُّ عن تغييرِهِ.

ومِن ذلكَ: أنَّه أمرَ بإقامةِ البريدِ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ، فأقيم لذلكَ بِغالٌ وإِبِلٌ، فكانَ أوَّلَ ما أُقيم البريدُ في تلكَ الأراضي.

وكانَ طويلًا، أبيضَ، مليحًا، حسنَ الأخلاق، حَليمًا، قصَّابًا للزَّنادقة، جَوَادًا، مُمدَّحًا، محبَّبًا إلى الناسِ، وَصُولًا لأصحابِهِ، لم يَلِ الخلافةَ أكرمُ مِنْهُ، ولا أبخلُ من


(١) "ترتيب المدارك" ١/ ٢١٢.
(٢) قالَ في "القاموس": الطَّرفاءُ: شجرٌ.
والغابةُ موضعٌ في المدينة، قالَ العياشيُّ: وإذا أُطلقت الغابةُ في المدينة، فالمقصودُ بها منطقةُ العيون، ويحدُّها مِن الشَّرقِ جبلُ أُحُدٍ. "المدينة بين الماضي والحاضر"، ص: ٤٨١.
(٣) في الأصل: تهافت وتهلك، والصواب ما أثبته، ويؤيده ما ورد في "ترتيب المدارك" ١/ ٢١٥، ففيه: وأخشى إنْ نقضتَه أن يخرب وينكسر.