للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مدَّةً، ثمَّ قال: اعمل منه كلَّ ليلة قُرصًا، ففعلتُ مدَّة، ثمَّ قالَ: اعمل لي منه كلَّ ليلةِ جمعةٍ قطعةَ طعامٍ رشيدية (١) للفقراءِ، ففعلتُ.

وكانَ يجتمعُ عليه في كلِّ ليلةِ جمعةٍ فقراءُ، فيذكرونَ إلى أن يذهبَ جزءٌ كبيرٌ مِنَ الليل، ويقدِّمُ لهم ذلك الطَّعامَ الذي لا يُظَنُّ أنَّه يكفي ثلاثةً، فيأكلُ منه فوقَ العشرين، ولا يزال ينفِقُ مما يعطينا حتى نَمَلَّ، ثم يأخذ الفَضْلَةَ بعد ذلك.

وأخبرني بذلك جماعةٌ مِن أهلِ الخير مِمَّنْ يَعْرِفُ حالَهُ، قالوا كلُّهم: لم يُرَ قطُّ مثلُ بَرَكَةِ طعامِهِ، وكان يتواجَدُ في الذِّكْرِ، ويقومُ، ويدورُ في الحَلَقَةِ (٢)، فيجدُ الجماعةُ منه قُوَّةً وصلابةً يعجَزُ عنه أقوياءُ الشَّباب، بحيثُ إنَّ الجماعةَ يَمَلُّونَ ولا يمَلُّ، ومتى أمسكَ على أحدٍ منهم أتعبَهُ، وكانَ قد أسنَّ وكَبِرَ، وكنتُ أحضرُ عندَهُ أحيانًا، وكانَ له وَجْهٌ يضيءُ، عليه نورُ العبادةِ والخيرِ، وله لحيةٌ طويلةٌ، مليحةٌ، تبلغُ إلى سُرَّتِهِ، وماتَ رحمه الله عن وصيَّةٍ، وبنتٍ، وصَدَقَةٍ بجميعِ ما يملكُه (٣) حتَّى بفراشه من تحتِهِ، وذلك سنةَ أربعٍ وستين وسبع مئة.


(١) الرَّشيدية: عجينُ فطيرٍ، يُعمل رِقاقًا، ويقطع طولًا، حين يجفَّ، ويطبخ باللَّبن غالبًا. "القاموس": رشد، و"المعجم الوسيط" ١/ ٣٤٥.
(٢) هذه الهيئات من التواجد والصعق والغشيان ودعوى الاستغراق والصياح والقيام والدوران عند الذكر لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا الصحابة من بعده، ولا وجود لها عند السلف، وقد كانوا ذاكرين لله في كل وقت وحين، وكانوا أتقى لله وأخشاهم له، فتنبه.
(٣) يوصي بالثلث أو أقل، ولا تصح الوصية بأكثر من ذلك ما لم يجزها الورثة.