وما أظنُّ أَخَذَها إلا بعضُ الأولاد، فقال له: اذهبْ، فستأتِيكَ إنْ شاءَ اللهُ، ثمَّ قالَ لنا: اقرؤوا وارفَعُوا أصواتكم، ففعَلْنا، ثمَّ قالَ لنا: اسكُتُوا، فسكَتْنا، فقالَ: قم يا حسينُ فائتِ بالمربَّعَةِ، فقال: ما أخذتُها، وجعلَ يبكي، فقالَ له: اقرأ على حالك، ثمَّ دعا بعضَ الأولاد، وقال له: امضِ إلى بيته، وقل لأهلِه: حسينٌ يقولُ لكم: ابعثوا إليَّ بالمربَّعَةِ التي أتيتُكُم بها البارحةَ، فما كانَ إلا قليلًا إذ جاءَ بها وهو ينظرُ، فبُهِتَ، فضربه، ثمَّ أمرَ جميعَ الصبيانَ فضربُوُه.
وكانَ يقولُ للصبيانِ: يا فلانُ، أنت وزيرُ المدينةِ، وأنتَ تكونُ تاجِرًا، وأنتَ تكونُ فلَّاحًا، وأنتَ تكونُ ظالمًا، وأنتَ تكونُ فقيهًا، فما تعدَّى أحدٌ منهم فيما علمتُ ما توسَّمَ فيه.
وكان يعزِمُ على الجَانِّ ويستحضرُهُم، واشتهر حِجَابُهُ بالنَّفْعِ، فيأخذ وَرَقةً على طولِ المصرُوعِ فيكتُبُها له، ويُعلِّقُها عليه، فَيَبْرَأُ مِن حينه (١)، ولم يزلْ كذلك حتى فَلجُوا ابنةً له، وكانت تَزْحَفُ، ثمَّ انطلقَ نصفُها الأيمن، وبقيتْ كذلك حتى توفِّيَتْ، ولم يرجعْ عن حالِه معهم، حتى فَلَجُوهُ هو أيضًا.
أصبحَ ذاتَ يومٍ وقد صُرِعَ في وَسَطَ دارِهِ، وبَطَلَ كُلُّهُ، فرأيتُهُ بعد العَزْمِ والقُوَّةِ يمشي في الأسواقِ زَحْفًا، وقد نَفَرَ عنه مَنْ كان يَعْرِفُهُ، وصار مِن الحاجَةِ
(١) هذا من الأمور التي لم يرد عليها دليلٌ من الشارع، فما كان من الرُّقى بكتاب الله وأسمائه، والأذكار الشرعية، فهو مستحبٌّ، وما لا، فلا.