للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأقرأ الطَّلَبَةَ في الفقه، وغيرِهِ، وأفتى، وتصدَّر بالمسجدِ الحرامِ معَ استحضارٍ لمذهَبِهِ، وتميَّزَ في فنِّ الأدَبِ، وحُسنِ مذاكَرَةٍ، وظَرْفٍ، ولُطْفِ عِشْرَةٍ، وعَقْلٍ، وتَوَدُّدٍ، وأوصافٍ لائِقَةٍ، وقد تَرَفَّعَ حالُهُ بالنِّسبَةِ لما كان، وابتنى دارًا هائلةً، ورافعَ فيه بعضُ مَنْ كان في خِدْمتهِ، وتكلَّمَ بكلامٍ كثيرٍ، وكادَ أن يَتَزَحْزَحَ فخذلَهُ اللهُ.

وكذا كانتْ بينَهُ، وبينَ الحنبليِّ بعضُ مراجعاتٍ مِنَ الجانبينِ، ثمَّ لما ماتَتْ زوجتَهُ المشارُ إليها، وتزوَّجَ بعدُ بابْنَةٍ للشَّريفِ أصيلٍ، فَلَمَّا مات، -وكانت زوجتُهُ أختُ قاضي الحنفيَّةِ بِمَكَّةَ،- كانتَ بينهما مراجعاتٌ، بِسَبَبِ ميراثه استحسنتْ كلامَهُ فيها، ومع ذلك فلم يَظْفَرْ بطائلٍ.

ثمَّ كانتْ بينَهُ وبينَ عبدِ الله ابن الشيبيِّ (١) مفاوضةٌ بسبَبِ وَقْفِ الخلجيِّ في سنةِ إحدى وتسعَ مِئَةٍ، لم أحمَدْ صنيعَهُ فيها مع عَقْلِهِ، واللهُ تعالى يؤيِّدُهُ، ويحملُهُ، ومِنْ نَظْمِهِ:

إنْ كنْتَ ترجُو من الرَّحمنِ رحمتَهُ … فارحمْ ضِعافَ الوَرى يا صاح مُحترِمَا

واقصِدْ بذلكَ وجهَ الله خالقِنَا … سبحانَهُ مِنْ إلهٍ قدْ بَرَى النَّسَما

واطلبْ جَزَا ذاكَ مِنْ مولاكَ رحمتَهُ … فإنما يَرحمُ الرَّحمنُ مَنْ رَحِمَا

[أقول (٢): وله نظمٌ ونثرٌ، وعدَّةُ مؤلَّفَاتٍ، كتبتُها من إملائِهِ، لأنه بعدَ المؤلف، انفرد بمكَّة المشرَّفة، وصارَ مِنْ أكابِرِها، ومَرْجِعَ أهلِها، وتقدَّم عند سلطانِها،


(١) عبد الله بن عمر الشيبيُّ، الحجَبيُّ المكيُّ، ذكره في "الضوء" ٥/ ٣٩ باختصار جدا.
(٢) ما بين المعكوفتين من زيادة الناسخ، وهو من أهل العلم.