النَّبويَّةِ، ومدرسةً ببيتِ المقدِسِ، وغيرَ ذلك كجامعٍ شَرَعَ فيه ببولاقَ، وندبَه الأشرفُ قايتباي لسابقِ خصوصيَّتِهِ له به قَبْلَ تَسَلْطُنِهِ بأشياءَ من القُرَبِ التي عَمِلَها بالمسجِدَينِ الشَّريفَينِ، وكانَ ابتداءُ مباشَرَتِهِ لذلكَ مِن أثناءِ سنةِ تسعٍ وسبعينَ، فزادَتْ هِمَّتُهُ فيهما بحيثُ كانَ هو الأصلَ في جُلِّ ما نُسِبَ له فيهما، وكذا نَدَبَهُ لإصلاحٍ في مقام الشافعيِّ، فاجتهدَ في ذلك، وصارتْ له وَجَاهَةٌ في بلادِ الحجاز، ونَمَتْ أموالُهُ، وجهاتُهُ بسببِ مراعاتِهِ في متاجرةٍ، ونحوِها مع كثرةِ خَدَمِهِ وبذلِهِ، ولم يَسْلَمْ من قائمٍ عليه سيَّما حين تعرُّضِهِ للحُجرةِ النَّبويَّةِ بعدَ مُنَاكَدَتِهِ لعالمِ الحجازِ البرهانِ ابنِ ظهيرةَ بما شُرِحَ في مَحَالِّهِ، وتَعِبَ من الكُلَفِ في توابعِ ذلكَ.
وبالجملةِ فهو زائدُ العقلِ، والتودُّدِ، والاحتمالِ، قليلُ المثلِ في مجموعِهِ، ممَّن والى عليَّ أفضالَهُ، سيَّما حينَ مجاورتي الأولى بالمدينةِ، وسَمِعَ مني مجالسَ في "القولِ البديعِ"، والنَّاسُ فيه فريقانِ، وأكثرُ الفقراءِ مَعَهُ، ولا زالَ في مجاهدةٍ، ومناهَدَةٍ (١)، ومداراةٍ، ومراعاةٍ، إلى أن سافرَ لمكةَ في موسمِ سنةِ ستٍّ وتسعين، فحجَّ، وجاورَ متعلِّلًا، حتَّى ماتَ في شوالٍ سنةَ سبعٍ بعدَ امتثالِهِ للأمرِ بإصلاحِ العينِ الزَّرقاءِ بالمدينةِ، وإصلاحِ ما اختلَّ من سُقُفِ مسجدِها، فأرسلَ مملوكَهُ لذلك، فأنهاهما، وتأسَّفْنا على فقدِهِ، فلم يخلِّفْ بعدَهُ في الجماعةِ مثلَهُ، رَحِمَهُ الله، وعفا عنه.
(١) أي: صمود. يقال: نهد لعدوِّهِ: صمد له. "القاموس": نهد.