ويُقرؤُهُ في المبيتِ لجانبه شفقَةً وحُنُوًّا، وبالمدينةِ الشِّهابُ الأُبْشِيطِيُّ في الجَبْرِ والمقابَلَةِ والصَّرفِ والعربية والعَروضِ وغيرِها، وسَمِعَ بالمدينة على أبي الفَرَجِ المراغِيِّ، وأخذ عن التَّقِيِّ الحِصْنِيِّ في فنونٍ كالأصلينِ والمنطقِ والعربيةِ والمعاني، بل قرأ على العلاءِ الحِصْنِيِّ غالب "التَّلخِيصِ" وحضر دروسَهُ في غيرِ ذلك، وقبل هذا حَضَرَ دُروسَ العِزِّ عبد السلامِ البغداديِّ، وقرأ في الأصولِ على أبي العبَّاسِ الشَّريشِيِّ الحنفيِّ، ورَأَى ابنَ الهُمامِ قصدَهُ للزِّيارَةِ بالزاويةِ فكانَ كُلٌّ منهما حريصًا على تقبيلِ يَدِ الآخرِ لإِجْلالِ كُلٍّ منهما له، وتميَّزَ في الفضائِلِ، وأَذِنَ له القَرَافِيُّ فمَنْ بعده، وكذا الحسامُ بنُ حُرَيزٍ وأخوهُ وأكثرَ من التَّرَدُّدِ للقاهرَةِ، وزار في بعضِها القُدْسَ والخَليلَ، وكذا دخل الفَيُّومَ، ونابَ في القضاءِ بالقاهرَةِ، وأوقفَنِي على شرحٍ لأماكِنَ من "المختصرِ"(١) أكملَ منه من القضاءِ إلى آخرِ الكتابِ، وقُرِئَ عليه بالمدينةِ، وله نَظْمٌ ونَثْرٌ ومحاسِنُ، مع عَقْلٍ تَامٍّ ودُرْبَةٍ زائِدَةٍ وتَوَاضُعٍ وخِبْرَةٍ وحِرْصٍ.
ولَمَّا زادَ ضَعْفُ أبيه راسل يسأَلُ في استقرارِهِ عِوَضَهُ، وذلك في سنة اثنتين وتسعين فَأُجِيبَ، وكان كَلِمَةَ إجماعٍ في عقلِهِ وسِياسَتِهِ والإصلاحِ بين الأخصامِ بحيثُ لم أَرَ في المدينةِ أَمْتَنَ منه في ذلك، واستَرْوَحَ به شيخُ الخُدَّامِ شاهينُ الجَمَاليُّ مع تَوَجُّهِهِ للإقراءِ والإفادةِ، والمحافَظَة على السُّبُعِ، كلُّ ذلك بِتُؤَدَةٍ وسُكُونٍ، ولمَّا قَدِمَ عليهم زَرُّوقُ المغربيُّ -وهو في الفضائلِ سِيَّما التَّصَوُّفُ مُتَمَيِّزٌ- لازمه في إقرائِهِ لشرحهِ "لَطَائِفِ
(١) أي "مختصر خليل" المتن المعتمد عند المالكية في الفقه.