لما يعلمُهُ، ووقَفَهُ بالمدينةِ، وحَصَّلهُ غيرُ واحِدٍ، وكان أحدَ الخُدَّامِ بها، وأقام بها مُدَّةً سوى تردُّدِهِ، وكذا كتب على "المنهاجِ" إلى الزكاةِ وغيرَ ذلك، وامتدحَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقصيدةٍ سمعتُها مع غيرها منه، أوَّلُها:
إِنِّي شُغِفتُ بمبعوثٍ إلى الأُمَم … مُحَمَّدٍ خيرِ خلقِ الله كُلِّهِم
وكان فاضلًا جَيِّدَ الفهمِ والإدراكِ، بديعَ التَّصَوُّرِ صحيحَ العقيدةِ، تامَّ العقلِ خبيرًا بالأمورِ، زائدَ الوَرَعِ والزُّهدِ والقناعَةِ، متينَ التَّحرِّي والعِفَّةِ، شريفَ النَّفسِ، حَسَنَ العِشرَةِ، نَيِّرَ الهيئةِ، عِليَّ الهِمَّةِ، كثيرَ التَّفضُّلِ على أحبابه والتَّودُّدِ إليهم والسَّعيِ فيما يُمكِنُهُ من مصالحِهم ووُصولِ البِرِّ إليهم، بحيثُ جرت على يديهِ لأهلِ الحَرَمَينِ وغيرِهما صدقاتٌ جَمَّةٌ، وله في الإحسانِ إلى المطلوبين المظلومين بسببِ الكنيسةِ من القُدسِ والتَّرسيمِ عليهم اليَدُ البيضاءُ في كثيرٍ من مصروفِهم في التَّرسيمِ والإنفاقِ، بل أخفى بعضهم عنده حتى جهَّزَهُ لمكة وصار يأمُرُ مَرَّةً بتفَقُّدِهِ، ومات هناك، كثيرَ الصومِ والتَّهجُّدِ والاشتغالِ بوظائِفِ العبادَةٍ والرَّغبَةِ في الانفرادِ، وهو في بديعِ أوصافِهِ كَلِمَةُ إجماعِ، ولم يزل منذ عرفناه في ازديادٍ من الخيرِ إلى أن ماتَ بعد مجاورته مُدَّة كنتُ في سنةٍ منها بمكَّةَ، وزار في أثنائِها المدينةَ النبوِيَّةَ، ثم عاد لمكة فاستمرَّ حتى رجع مرغومًا؛ لأجلِ زوجته أُمِّ ولدٍ له لكونها أكثرت من مُناكدَتِهِ بسبَبِ إلمامِهِ بِبعضِ جواريه وأتت منه بِوَلَدٍ، مع أنَّهُ كان يُخبِرُني بأنه لم يَزِد على وطئِهِ، وكونَها غيرَ تامَّةٍ، فتوجّهَ بها بِنِيَّةِ إبقائِها عند أهلها ورجوعِهِ لمكَّةَ، فقُدِّرت وفاتُهُ بعد وصولِهِ القاهِرَةَ بقليل في ثاني عشر ربيعٍ الأوَّلِ سنة سبعٍ وثمانين، وصُلِّيَ عليه في مشهدٍ حافلٍ