للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لازم الخطيبَ أبا الفضلِ النُّويريِّ في سماعِ مجالسِه الحديثيَّةِ رفيقًا للخطيبِ الوزيريِّ وغيرِه، وحصل له بعده عارضٌ أُقعِدَ بسببِه، وكانت سلامتُه منه فضيلةً، وسافر لمكةَ في سنة ثمانٍ وسبعين فحَجَّ وجاور وفارقها، ثم قَدِمها بعد سنةٍ أيضًا، ثم عاد ثم رجع إليها في سنهِ خمسٍ وثمانين وقطنها إلى التي تليها، وكان في طولِ إقامته بها يحضُرُ دروسَ البُرهانيِّ ابن ظهيرةَ، بل قرأ على النَّجمِ ابن فهدٍ في "البخاريِّ"، ثم توجَّهَ إلى المدينةِ النبويَّةِ فقطنها ورسخت قدمُه بها، وتصدَّى للإقراءِ، فأخذ عنه الفُضلاءُ، بل قرأ عليه المقبولُ ابن تقيٍّ "البخاريَّ" وكذا الشمسُ زقزُقَ مع "صحيحِ مسلمٍ" وتقنَّعَ باليسيرِ وسلوكِ التَّقشُّفِ والرياضةِ بالنسبة لما كان فيه أوّلًا من زعارةِ الخُلُق (١) على عادةِ كثيرين، وصار يحُجُّ منها كُلَّ سنةٍ، بل ربما يأتي لمكةَ قُبيل الموسمِ، وهو ممَّن سَمِعَ مني في مجاورتي الأولى بالمدينةِ، ثم في الثانيةِ، وكان مُصاحبًا لنا في الرُّجوعِ إلى مكة في شوالٍ سنة ثمان وتسعين، وكتبت له في إجازتِه: الشيخيُّ الإماميُّ، العالميُّ العلّاميُّ، المفتيّ، مفتي المسلمين، مرشدُ الطالبين، مُربي المريدين، قدوةُ المستفيدين، نزيلُ بلدِ المصطفى، وعديلُ أولي الجلالةِ والاصطفا، من مُنِح السعادةَ بالإقامةِ بطيبةَ، وسمح بالتجارةِ للعبادةِ المزيلةِ لكلِّ كربةٍ، وأعرض عن زهرةِ الدنيا الدَّنِيّةِ، ونهض لما يترجَّى معه الغنيمةُ الأبديَّةُ، بالتَّمَلِّي بهذه المعاهدِ، والتَّسَلِّي بها عن سائرِ المشاهدِ، إذ كُلُّ الصَّيدِ في جوفِ الفَرا، وجميعُ الخيراتِ في أُمِّ القُرى، صلّى الله على ساكنِها وسلَّمَ، وأعلى بناءَهُ على سائرِ


(١) زعارة الخلق: سوء الخلق. "لسان العرب": (زعر).