إلَّا من القضاءِ إلى آخرِ ثانيهما، وقرأ في أصولِ الفقهِ على الشهابِ الإبشيطِيِّ "منظومهً النَّسَفِيِّ اللاميَّةَ"(١)، وفي العربيةِ على الشرفِ عبد الحقِّ السُّنباطِيِّ "الجَرُّومِيَّةَ"، بل سمع عليه جُلَّ "الألفيَّةِ"، وفي الفقهِ والأصلَينِ قراءةً وسماعًا على زوجِ والدته السَّيِّدِ السمهودِيِّ، وسمع على أبيهِ وجَدِّهِ لأمِّهِ وخالِه وعمَّةِ أُمِّهِ فاطمةَ ابنة أبي اليُمنِ المراغِيِّ، ومما سمعهُ على جَدِّهِ "البخاريَّ" و"الشِّفاءَ" والكثيرَ، وقرأ على خالِه الكُتُبَ السِّتَّةَ و"الشَّمائِلَ" و"الشِّفاءَ" و"الأذكارَ" و"الرِّياضَ" وأجزاءَ، بل قطعةً من شرحِ "البخاريِّ" لعمِّهِ أبي الفتحِ، ولازم قاضي الحنابلةِ بالحَرَمَينِ المحيَويِّ الحسنِيِّ المكيِّ في سماعِ الكثيرِ، وكذا سمع على أبي الفضلِ ابنِ الإمامِ الدِّمشقِيِّ، وأجاز له النَّجمُ ابنُ فهدٍ وغيرُهُ.
وسمع منِّي وعليَّ في مجاورتي بالمدينةِ أشياءَ، بل قرأ عليَّ في كليهما، وفي الثانيةِ "مُسنَدَ الشافعيِّ" بكمالِه، وسمع بحثَ شرحي "للألفيةِ" إلَّا يسيرًا من أوَّلهِ، وقرأ عليَّ بمكَّةَ "الابتهاجَ" و"التَّوَجُّهَ للرَّبِّ" كلاهما من تصنيفي بعد تحصيلِهما، وهو إنسانٌ فاضلٌ فَهِمٌ كثيرُ التَّحرِّي في قراءَتِه وسماعِه، وفي لسانِه حَبسٌ عن التَّكَلُّمِ لعارضٍ عرض له في صِغَرِه، ولكنَّهُ في قراءَتِه أخَفُّ، وعملَ كُرَّاسَةً في صاعِقَةِ سنةِ ثمانٍ وتسعين أرسلَ إليَّ بها بمكّةَ مع صهرِهِ السُّهرَوَردِيِّ فيها نظمٌ ونثرٌ، وكتبها غيرُ واحدٍ، وممّا نَظَمَهُ معها:
سألتُكَ يا من لي بِعَينِ الرِّضى نَظَر … وسَدَّ بِسَدلِ السَّترِ عَيبي أو جَبَر
تَمَهَّد عُذرِي كون أنِّي من البَشر … فمِثليَ من أخطَأ ومثلُكَ مَن يستَر
(١) منظومة في الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي ومالك، لأبي حفص عمر بن محمد النسفي المتوفى سنة ٥٣٧ هـ، انظر: "كشف الظنون" ٢/ ١٨٦٧.