للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعيالِه وجماعتِه قاصدًا استيطانَ الحجازِ، فدخل الدِّيارَ المِصرِيَّةَ، فأقامَ بها نحوَ ثلاثةِ أشهُرٍ، ورآها على خلافِ ما كانت، فركبَ البحرَ من الطُّورِ صُحبةَ نائبِ جُدَّةً، ودخل مكةَ في أثناء رجبٍ سنةَ سبعٍ وتسعين، ولقيتُه هناك على طريقةٍ حَسَنَةٍ من الانجماعِ والعبادةِ والاجتماعِ بي أحيانًا، حتى سافر مع المدنيِّين إلى طيبةَ، فقَدِمها في أواخرِها، فاستوطَنها حسبَ ما أعلَمَني به ولقيتُه حينئذٍ، فكان يجتَمِعُ عليَّ ويراجِعُني في الأسانيدِ والتراجِم، بل حضر عندي عِدَّةَ مجالِسَ، وكتب لي بِخَطِّهِ ما عَلِمَه، وقد اقترحَ عليه الخطيبُ الوزيرِيُّ -وقد عزَم على الرَّحيلِ من المدينةِ- العملَ على نَمَطِ:

يَعِزُّ علينا أن نُفارِقَ مَن نهوَى

وكان معه على السَّيِّدِ السمهوديِّ في تلكِ المنازعاتِ التي لا أُحِبُّها، سِيَّما وهي مشوبةٌ بالتَّحاسُدِ والتَّرفُّعِ، فقال:

دعانا لِنَيلِ الوصلِ داعٍ إلى الهَوَى … فأعظِم به داعٍ وأحبِب بها دَعوَى

شَرِبنا بكأسِ الحُبِّ صِرفًا مُدامَةً … مُعَتَّقَةً من قبلِ أُمِّ الوَرَى حَوَّى

سَكِرنا ومَرَّغنا الخُدودَ على الثَّرَى … فإن نحنُ عَربَدنا فمَن ذا الذي يَقوَى؟

سَلَونا هَوَى ليلى بمعسولِ ريقِه … على أنَّنا في الحُبِّ لا نَعرِفُ السَّلوَى

وكُنّا على شَحطِ المزارِ وبُعدِهِ … كَسَتنا ليالينا لبالسًا من البَلوَى

وفي القَلبِ وَقدٌ إن تصاعَدَ حَرُّهُ … أفاضَ عليه الطَّرفُ من وبلِهِ أقوى

دعانا لنادِيهِ وليس لنا سِوى … نفوسٍ بَذَلناها بِدارًا إلى النَّجوى

وأضحى تعاطِينا مُدامَ حديثِه … لدى روضةٍ تُنمَى إلى جَنَّةِ المأوى