للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حمزَةَ (١) عُيِّنَ للقضاءِ وأُثنِيَ عليه عند السُّلطانِ بالعلمِ والعبادةِ والوقارِ، فوَلّاهُ فتوقَّفَ، فطلع إليه ابنُ تيميةَ ولامه على التَّركِ وقوَّى عزمه، فأجابَ بشرطِ أن لا يركَبَ بغلةً ولا يحضُرَ الموكِبَ، فأُجيبَ واستقَرَّ في صفرٍ سنةَ سِتَّ عشرةَ فباشرَ أحسنَ مُباشَرَةٍ وعمَّرَ الأوقافَ وحاسَب العُمَّالَ واستمَرَّ بقيَّةَ حياتِه إحدى عشرةَ سنةً، وكان ينزِلُ من الصالحيّةِ ماشيًا ورُبَّما يركَبُ مُكاريًا ومِئزَرُهُ سُجّادَتُه ودواةُ الحُكمِ من زُجاجٍ، واتَّخذَ فرجيّةً (٢) مُقتَصِدَةً وكبَّرَ العمامةَ قليلًا، وحجَّ مرَّاتٍ، فلما كان في شوَّالٍ سنة سِتٍّ وعشرين توجَّهَ للحجازِ بنيَّةِ المُجاوَرَةِ، فمَرِضَ من العُلا (٣)، فلما قَدِمَ المدينةَ تحاملَ حتى وقفَ مُسلِّما على النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثم أُدخِلَ إلى منزلِهِ فماتَ وقتَ السَّحَرِ في ثالثِ عِشري ذي القعدةِ منها، ودُفِنَ بالبقيعِ.

ذكرَهُ شيخنا في "درره" (٤)، وقال ابن صالحٍ في "تاريخِه": إنه قصدَ الحَجَّ من الشامِ فماتَ بالمدينةِ قبل حَجِّهِ ودُفِنَ بالبقيعِ بجوارِ قُبَّةِ عقيلٍ، قال: وكان شكلًا حسنًا مُتَّضِعًا في أحوالِه وقِلَّةِ لباسِه مع الشُّهرَةِ بالصَّلاحِ والدِّينِ والشَّفقةِ على الضُّعفاءِ، ولم يُسَمِّهِ ابنُ صالحٍ.

وقال الذَّهبِيُّ: إنه برعَ في الفقهِ والعربيَّةِ وتخرَّج به فضلاءُ، ولم يزل قانعًا راضيًا يرتَزِقُ من الخياطةِ وليس له سوى الضِّيائِيَّةِ بقدرِ عشرين


(١) سليمان بن حمزة بن أحمد المقدسي القاضي تقي الدين، فقيه محدث مسند عصره، توفي سنة ٧١٥ هـ "الدرر الكامنة" ٢/ ١٤٦.
(٢) الفرجية: نوعٌ من اللباس أشبه بالجبة، يكون مزررًا من الأمام، ويلبسه العلماء عادة. انظر: "صبح الأعشى" ٤/ ٤٤.
(٣) العُلا: مدينة تقع في شمال المدينة تبعد عنها حوالي ٣٥٠ كيلًا.
(٤) "الدرر الكامنة" ٤/ ٢٥٨.