للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"الرِّسالة"، للقشيريِّ، وحدَّث بها عنه، وتأهَّل بابنتِه، ورُزقَ منها ولدَه الجمالَ محمَّدًا، ودرَّسَ، وأفتى بالحرمين، مع غزارةِ العلمِ، وأهليةِ النَّظرِ والتَّرجيحِ، والعبادةِ الكثيرةِ، والورعِ الشَّديدِ الدَّائمِ.

انتفَع به في العلمِ جماعةٌ، منهم: الشَّريفُ عبد الرَّحمنِ بنُ أبي الخيرِ الفاسيُّ، وقالَ: إنَّه كانَ مع كثرةِ العلمِ والزُّهدِ كريمَ النَّفسِ، كثيرَ الإيثارِ للفقراءِ. قالَ لي: إنَّه وردَ مكَّةَ سنةَ ثلاثٍ وستين وسبعِ مئةٍ مع التَّكاررةِ على طريقِ الصَّحراءِ، فحجَّ، ثمَّ توجَّهَ إلى المدينةِ، فأقامَ بها التي تليها، ثمَّ رجعَ إلى مكَّة، فاستوطنَها مِن سنةِ خمسٍ وستين، وصارَ يتردَّدُ منها إلى المدينةِ، حتَّى ماتَ بمكَّةَ في المحرَّمِ، سنةَ تسعٍ وثمانين وسبعِ مئةٍ، ودُفنَ بالمَعلاةِ، شهدَ جنازتَه أميرُ مكَّةَ عنانُ بنُ مغامس، ومشى فيها.

وكانَ قد تأهَّلَ في المدينةِ بابنةِ القاضي البدرِ ابنِ فرحونٍ.

قالَ ابنُ فرحونٍ (١): كان في الورعِ والزُّهدِ على طريقةِ أبي الغمرِ الآتي (٢)، وكان صاحبَنا، وإنَّما نبَّهتُ عليه لمَا خالطَني مِن محبَّتِه واعتقادِه، ولمِا احتوى عليه من العلمِ، والعملِ، والورعِ الكثيرِ، الذي هو من صفاتِ الأولياءِ الكبار، والمحقِّقين من الأبدال، أعانَه اللهُ على ما هو ملتزمُه مِن الخيرِ الكثير، والدِّينِ المتين، حتَّى إنَّه لا يتناولُ مِن الحلالِ إلَّا القوتَ الشَّظَف (٣) اليسير، لا يأكلُ في أرضِ الحجازِ لحمًا، ولا تمرًا، ولا شيئًا،


(١) "نصيحة المشاور"، ص: ١٢٨.
(٢) أبو الغمر الطنجي، واسمه السائب بن عبد الله.
(٣) الشَّظَفُ: يُبسُ العيش. "العين" ٦/ ٢٤٨، وهو أيضًا: يابسُ الخبز. "لسان العرب": شظف.