للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والشَّمَّاع، في آخرين، ثمَّ قصد التَّجرُّدَ، وظهرَ له أنَّ النِّية في الاشتغالِ والإشغالِ فاسدةٌ.

فارتحلَ للحجِّ في سنةِ أربعٍ وأربعين، وسافرَ في البحرِ في أواخرِ ربيعٍ الآخرِ منها، في مركبٍ لبعضِ الفِرَنجِ، فخرجَ عليهم مركبٌ للجَنَويين (١)، فأُصيبَ مركبُهم منه، فقصدوا رُودُسَ (٢)، وأقاموا بها نحوَ عشرين يومًا، حتى أصلحوها، ثمَّ قدِمَ القاهرةَ، وسافرَ منها في البحرِ أيضًا لمكَّةَ، فقَدِمَها في رمضانَ منها فحجَّ، وزارَ صُحبةَ الرَّكْبِ، وقطنَ المدينةَ، وصاهرَ قاضيَها فتحَ الدِّينِ ابنَ صالحٍ، وبقيَ على طريقِ السِّياحةِ مد، ثمَّ سئلَ في الاشتغال فامتنعَ، ثمَّ استخارَ الله، فانشرحَ له صدرُه، وتصدَّى لإقراءِ الفِقهِ والعربيةِ، وكانَ محمَّدُ بنُ نافعٍ (٣) الآتي وغيرُه يمتنعون من الإقراءِ معه، وربَّما حضرَ بعضُهم عندَه مع الصَّلاحِ والعبادة، حتى إنني رأيتُ أهلَ المدينةِ فيه كلمةَ إجماعٍ.

ومع ذلك فقد قال البقاعيُّ: إنه لقيه في جمادي الثاني، سنة تسمع وأربعين بقباء، وكتب عنهُ مِن نظمِه:

يا سيِّدي يا رَسُولَ اللهِ يا سَنَدي … يا عُمدَتي يا رَجَائي مُنْتَهى أمَلي (٤)

أنتَ الوجيهُ الذي تُرجى شَفاعتُه … كنْ لي شَفيًا غدًا يا خاتَمَ الرُّسُلِ

وبحثَ فيما زعمَ معه، وقال: إنَّه رآه شديدَ الإعجابِ بنفسِه، معَ إظهارِ الصَّلاحِ، والمبالغةِ في التَّبُّرءِ من الدُّنيا، وبالغَ في الحطِّ عليه، ووصفَهُ بالعُجبِ والكِبْرِ والحسدِ،


(١) نسبة لجنوى، من إيطاليا.
(٢) جزيرة معروفة في البحر الأبيض المتوسط، هي جزيرة قبرص.
(٣) ترجمته في القسم المفقود من الكتاب.
(٤) الرجاء والدعاء للّه سبحانه وتعالى، ولاينبغي للعبد أن يعلِّقَ الرَّجاءَ والدُّعاء بغيرِه عزّ وجلَّ، ولهذا قال سبحانه وتعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}.