للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلمّا جاءَ الموسِمُ ارتحلَ إلى العِراقِ وأقامَ فيه مُدَّةً، وصَحِبَ الشِّهابَ عبدَ الرحمنِ بنَ عَسْكَرٍ (١) وغيرَهُ، فأحسَنُوا إليهِ كثيرًا. ثم رجعَ إلى المدينَةِ فأقَامَ بها وقد جمَعَ شيئًا من الدُّنيا، فتسلَّطَ عليه رَجُلٌ من الأشرارِ فاشْتَغَلَ به وبالغَ في أَذِيَّتِهِ بحيثُ نفاه عن الشَّرَفِ، فَلَحِقَتْهُ حَمِيَّةٌ أَزعَجَتهُ للسَّفَرِ إلى بلدِهِ لإثباتِ نَسَبِهِ.

فَلَقِيَهُ جَماعةٌ كثيرون من كبارِ أهلِ تُونُسَ وعلمائِها ورُؤَسَائِها، فقالُوا لهُ: إلى أينَ تَذهَبُ؟ فقَصَّ عليهم القِصَّةَ وأنَّه متوجِّهٌ إلى بَلدِهِ لإثباتِ نَسَبِهِ. فقالُوا كُلُّهُم: نحنُ نَشهَدُ بِنَسَبِكَ وباستفاضَتِه. قال: فإذا جِئْتُمُ المدينةَ فاجتَمِعُوا بِشيخِ الخُدَّامِ وشُيُوخِ الحَرَمِ وفُقَهَائِهِ واذكرُوا لهم ذلك، ففعلوا، وذَهَبَ هو إلى أقصَىَ المغربِ (٢) فاجتَمَعَ بِأَبي سعيدٍ عُثمانَ بنِ يَعْقُوبَ بنِ عبدِ الحَقِّ (٣) فأكرَمَهُ وخَوَّلَهُ مالًا كثيرًا، فانتقلَ إلى الأندَلُسِ رَغبةً في الشَّهادَةِ، فلَمَّا استقرَّ بها وكَثُرَ خَيرُهُ وخَيْلُهُ وخَوَلُهُ وعَبِيدُهُ وإماؤُه أتَاهُ أَجَلَهُ. فَتُوفِّيَ عن وَصِيَّةٍ وقفتُ عليها وقرأتها أخرج (٤) منها خَمسَ مِئَةِ دِينارٍ لِوَقْفٍ يُشتَرَى بالمدينةِ، يُصرَفُ رَيْعُهُ على مَن بالمدرسةِ الشِّهابِيَّةِ مِنَ المالِكِيَّةِ والشافعيَّةِ، لكونها كانت مَوطِنَه ولم يَكُنْ بالمدينة إذ ذاك غيرُ هاتَينِ الطَّائِفَتَينِ، فلمَّا وَصَلَتِ الوَصِيَّةُ على يَدِ وَلَدِ ابنِ سهلٍ وزيرِ الأندَلُسِ جرت أحوالٌ وقصَّةٌ طويلَةٌ، وخرَجَ إلى آلِ منصورٍ مِنَ المدينةِ بِسَبَبِها؛ لأنَّ الأميرَ طُفيلًا رامَ أخذَ المالِ، فكَاتَبَ القَاضِي شَرَفُ الدِّينِ


(١) انظر ترجمته في "الدرر الكامنة" ٢/ ٣٤٤، و"شجرة النور الزكية" ص: ٢٠٤.
(٢) في "نصيحة المشاور" ص: ٩٢: الغرب.
(٣) انظر ترجمته في "الدرر الكامنة" ٢/ ٤٥٢.
(٤) في الأصل: "أخ" وهو خطأ والتصويب من "نصيحة المشاور" ص: ٩٣.