للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللُّغَةِ والحديثِ، وحَجَّ أربعينَ حَجَّةً، وطَافَ البِلادَ ومَاتَ في المحرَّمِ أو صفرٍ سنةَ اثنتي عَشَرَةَ وسبعِ مئةٍ بالقُربِ مِنَ الكوفةِ، ذكَرَهُ ابنُ رافعٍ في "تاريخهِ" وقَالَ فيهِ: الشَّافعيُّ، قُلتُ: وممَّن سمعَ عَلَيهِ البدرُ عبدُ الله، وعَليٌّ بنُ محمَّدِ بنِ أبي القَاسِمِ ابنِ فرحونٍ، وقَالَ أَوَّلُهمَا فيهِ (١): الحَبَرُ الكبيرُ، والسَّيِّدُ الشَّهيرُ، ذُو العُلومِ المتعدِّدَةِ، والمقاماتِ الرَّبَّانيةِ، والكراماتِ الإلهيةِ، العِزُّ الزَّرَنْدِيُّ المدنيُّ المحدِّثُ، والد محمَّدٍ وأحمدَ وعليٍّ الماضِيينَ، سَكَنَ في حُجرَةِ رِباطِ الأصبهانيِّ فَعَمَرَهُ، وردَّهُ إلى أهلِهِ وعلى شرطِ وقِفِه، بعد أن كانَ منزِلًا للنِّساءِ والفِتيانِ، أخبرَتْني جَدَّتي أنَّها كانتْ ساكنةً فيه معَ بَنَاتِها وجماعَةٍ من أهلِها، وكانَ الرِّباطُ قد اسوَدَّ وتغيَّرَ بالدُّخانِ والوَقيدِ فيه، حتَّى قامَ بهِ الشَّيخُ فَعَمَرَهُ وأخرجَ منه النِّساءَ وغيرَهم، وفيهِ وُلِدَ أولادُهُ، ولم يَزَل حتَّى كَثُرَ عِيالُهُ وانتشر أتباعُهُ فانتَقَلَ عنهُ، وما كانَ الرِّباطُ يُعرَفُ إلا بِهِ، بل كان شَيخَ الرُّبُطِ كُلِّها يَتَفَقَّدُها وَيعْمُرُها، وكانَ قد لَزِمَ قراءَةَ "البُخَاريِّ" في الرَّوضَةِ فيختِمُهُ في كُلِّ جُمُعَةٍ، وأُخْبِرتُ أنَّهُ خَتَمَهُ في ثلاثَةِ أيَّامٍ، لأنَّهُ صارَ على قلبِهِ وطَرَفِ لِسَانِهِ يؤدِّيهِ بِفَصَاحَةٍ ومَعْرِفةٍ به، لا يَمَلُّ سامِعُهُ قِرَاءَتَهُ، ومَن غَابَ أعادَ لهُ مَا فاتَ. وكانَ حَسَنَ الأخلاقِ، جميلَ المُعَاشَرَةِ، غيرَ مُهتَمٍّ بِأُمُورِ الدُّنيا، مُقْبِلًا على شأنِهِ وعِبَادَتِهِ، ومَنَاقِبُهُ كثيرةٌ لا يَسَعُ هذهِ العُجَالَةَ ذكرُها، مات بِطَريقِ العِراقِ ذاهبًا في سنةِ اثْنَتَي عشرةَ وسبعِ مِئَةٍ، وقد مضى في محمَّدٍ العُصَيَّاتيِّ أنه رآه في النَّومِ وقال له: سَلِّم على أولادي وقُل لهم: قد حُمِلتُ إليكم ودُفِنتُ بالبقيعِ عند قُبَّةِ العبَّاسِ، فإذا أرادوا زيارتي فليَقِفُوا هناك ويُسَلِّمُوا


(١) "نصيحة المشاور" ص: ١٠٤.