الصُّبحِ إلى الظهرِ ومِنَ الظهرِ للعصرِ لا يقطعُ ذَلكَ إلَّا بصلاةِ الفريضَةِ بالرَّوضَةِ مَعَ شيخوخَتِهِ وسنِّهِ، فإذَا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ حَنَّ إلَيهِ كَمَا تحنُّ الوالدةُ إلى ولدِهَا مَعَ إيثارٍ عظيمٍ بالدُّنيَا، بحيثُ كَانَ أقربَاؤُهُ مِنَ السَّلاميِّين يَبعثُونَ إليهِ بالأموالِ الكثيرةِ ليُفرِّقَهَا فيصرِفُها فِي مصَارِفِهَا ويزيدُ عَلَيهَا مِن مَالِهِ ولمْ يَكنْ للدُّنيا فِي عينهِ بهجةٌ، ولَهُ في الإيثَارِ حكاياتٌ وغرائبُ كَانَ يحكيهَا عنهُ شيخُ الخُدَّامِ العِزُّ دِينارٌ لكونِهِ كَانَ يصحبُهُ ويعتقدُهُ، ومثلُهُ يُعتَقَدُ، أَعتقَ خُدَّامًا ومماليكَ وبنى لَهُ رباطان أحدهُمَا مُجَاورٌ للمِيضأةِ موقوفٌ عَلَى الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والآخرُ عَلَى الرِّجَالِ خاصَّةً، واشترى الدَّارَ الَّتِي يسكُنُهَا وهِي فِي ظهرِ رِبَاطِهِ الموقوفِ عَلَى الرِّجَالِ، وكَانَ الرِّبَاطُ حَوشًا لهذِهِ الدَّارِ فأفرَدَهُ للرِّجَالِ وسدَّ البابَ الَّذِي بينَهُمَا وهُوَ بيِّنٌ إلى الآنَ، وأوقَفَ الدَّارَ المذكورَةَ عَلَى الفُقراءِ المُجرَّدِينَ إن لمْ يكنْ سلاميُّونَ فإن كَانَ مِنهُم أَحَدٌ بالمَدِينةِ فَهُوَ أَولى مِن غَيرِهِ، فإذَا سَافَرَ أو مَاتَ رَجَعَتْ للفقرَاءِ المُجَرَّدِينَ حُكْمُهَا حُكمُ الرِّبَاطِ ومجاورٌ لَهَا، ووقفتُ عَلَى الوقفيةِ فِي سنةِ سبعٍ وستِّينَ وسبعِ مئةٍ وانتُزِعَتْ بالوقوفِ عَلَيهِ من وَضَع يَدَه عَلَيهَا بغيرِ طريقٍ شَرِعيِ، مَاتَ بالمَدِينةِ النَّبَويّةِ فِي حدودِ سنة خمسَ عَشَرَةَ وسبعِ مئةٍ ودُفِنَ بالبقيعِ إلى جنبِ قبرِ سيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ ابنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ومِمَّنْ أَخَذَ عنهُ الشَّيخُ محمدٌ الكَازَرُونِيُّ، وقَدْ سَبَقَ فِي ترجمتِهِ شيءٌ مِن حالِ صاحبِ التَّرجَمَةِ. وذَكَرَهُ المَجْدُ (١) فَقَالَ: السَّلَّامِيُّ -بتشديدِ اللامِ- نسبةً إلى السّلَّامِيّةِ قريةٍ كَبيرَةٍ شَرقيَّ دِجلةَ عَلَى مرحَلَةٍ مِن الموصلِ، ثُمَّ لَخَّصَ تَرجمَتَهُ مِمَّا تَقَدَّمَ بأمتَنِ عبارةٍ وآمنِ إشارةٍ وقَالَ: إنَّهُ أَمَرَ بعمارةِ بئرِ أريسَ وتجديدِ مَا احتِيجَ إليهِ
(١) "المغانم المطابة" ٣/ ١١٦٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute