للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفاسيُّ (١): كان مشهورًا بالزُّهد العظيم، بحيثُ أقامَ بمكَّةَ زماناً لا يرجعُ لمأوىً مُعَيَّن، ولا يدَّخرُ شيئًا من الدُّنيا، وله في هذا المعنى أخبارٌ كثيرةٌ من شدَّةِ انطراحِه لنفسِه، وانسلاخِه من الأسباب. وقال الشَّريفُ أبو القاسم الحسينيُّ في "وفياته ": كان أحدَ المشايخِ المشهورين، الجامعينِ بينَ الفضلِ والدِّين، وعندَه جِدّ وإقدامٌ، وقوَّةُ نفسٍ، وتجرُّدٌ وانقطاع. وقال غيره (٢) - وقد رأى حُسنَ أجوبتِه فيما يُسأل عنه- وسأله عن ذلك، فقال: إنَّه رأى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وَتَفَلَ في فمِه، فكانَ يرى أنَّ هذه البركةَ مِن ذلك. والثَّناءُ عليه كثير جِدًّا؛ فوصفَه المحبُّ الطَّبريُّ: بطاووسِ الحرمين، ومُفتي الطَّائفتين، ونجيبِ الطَّبقتين، الفقيهِ الإمامِ الرَّبانيِّ، الحَبرِ المحدِّثِ الوحداني. وقالُ ابنُ رافعٍ (٣): كان عارفًا بالفقهِ والفرائض، شافعيًّا، ثمَّ حكى عنه غيرُه كونَه حنبليًا موصوفًا بالكَشف، وتكلَّمَ فيه ابنُ مَسْديٍّ، وأنشدَ له أبياتًا (٤). قال شيخنا في "لسان الميزان" (٥) له عَقِبَها: وهذا نَفَسٌ صوفيٌّ فلسفيّ، وهو عجيبٌ من حنبلي. وعن الميُورْقيِّ: أنَّ الفقهاءَ أخرجوه من مكَّةَ في جُمادى سنةَ ثلاثٍ وستين، ولم يتبيَّن سببُه، ولقَّبَه الميورقيُّ بطاووسِ الحرم، وأنَّه ماتَ بالمدينةِ النَّبوية، في رجبٍ سنةَ سبعٍ وستين وستِّ مئةٍ، وتعقَّبه ابنُ خطيبِ النَّاصرية بقوله: وكلامُ مَن أثنى عليه -سِيَّما


(١) هو جدُّ مصِّنف "العقد الثمين". وهذا القول في "العقد الثمين " ٣/ ٨٤.
(٢) قال الفاسي في "العقد الثمين" ٣/ ٨٤: ووجدت بخط جدي، أنه سمع هذه الحكاية من يحيى بن محمَّد الطبري، سبط الشيخ سليمان بن خليل.
(٣) لم يذكره في الوفيات.
(٤) ثلاثة أبيات، ذكرها الفاسي في "العقد الثمين " ٣/ ٨٥.
(٥) "لسان الميزان" ١/ ٥٣١.