للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المسجدِ الشَّريفِ، ماتَ سنةَ عشر وسبع مئة، وخلفهُ في المشيخةِ كافورٌ الملقَّبُ شبلَ الدَّولةِ، وذكرَهُ المجدُ (١) فقالَ: عزيزُ الدَّولةِ العزيزيُّ شيخُ الخُدامِ بالحرمِ الشَّريفِ ولي المشيخةَ في أواخرِ المئةِ السادسةِ.

وكَانَ شيخًا شهيرَ الخيرِ، غزيرَ البرِّ، أثيرَ الذِّكْرِ، كثيرَ البِشْر، قائمَ المعروفِ، دائمَ الوقوفِ عندَ تحبيسِ الوُقوفِ، أفاضَ إحسانَهُ على الأشرافِ، حتى كادَ يبلغُ شأنه فيه الإسرافَ، بذلَ دونَ حاجاتِهم فِضَّتَهُ وذَهَبَهُ، وسمحَ بإيثار مَا سألُوهُ ووهبهُ، حتى رَمَوْا بالرَّفضِ والتَّشيُّعِ مذهبَهُ، فاضلَ ذوي المكارمِ حَتَّى نفضَ الجفيرَ، وأعتقَ من العبيدِ والإماءِ الجمَّاءَ الغفيرَ، ذُكِرَ أنَّ النَّخلَ التي في الحرمِ غُرِسَ في زمانِهِ (٢)، وكان شيءٌ منه قبلَه لكن ذهبَ أَثرُهُ وأَثرُ مكانِهِ، وكأنَّهُ لم يتعرَّضْ أحدٌ لإنكارِ هذ البدعَةِ إجلالًا لشانِهِ، أو خوفًا من لسانِهِ، أو تمكينًا لهُ من الاقتداءِ بِمَنْ غرسَهُ قبلهُ، وحَلقَ في عُنقِهِ من هذا المنكرِ حَبْلَهُ، وقدْ انْجعفت تلك النَّخيلُ بِهبوبِ عاصفةٍ هبَّتْ في أواخرِ مشيخةِ ياقوتٍ الآتي ذِكْر، وأُعيدَ غِراسُ الفُسلانِ مغارسَهَا ولم يَبْلَ نُكْرُه، على أنَّه وقعَ الإنكارُ من بعضِ النَّاسِ في الإعادةِ، لكنْ لم يصادفْ كلامُهُ محلًا من الإشادَةِ والإفادَةِ. ولعلَّهُ سوَّغَ ذلكَ حملًا على احتمالِ أَنَّهُ لم يُغرسْ أوَّلًا إلا بنوعٍ من الاستحقاقِ، وصَادَفَ هَذَا التَّأويلُ من خواطرِ الخُدَّامِ والأزمّة الملاءمة والوِفَاق. ولا شكَّ أَنَّ لاعتمالِ الاحتمالِ في المسألةِ أدنى مجال، لكن لا يخفى من قلَّةِ النَّفي ما في اعتمادِ الاحتمالِ البعيدِ عَلى كُمَّلِ الرِّجَالِ.


(١) "المغانم المطابة" ٣/ ١٢٤٤.
(٢) وذكر ابن جبير في "رحلته" ص: ١٥٣: عند ذكر القبة التي بصحن المسجد: وبإزائها في الصحن خمس عشرة نخلة.