للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يزلْ قلْبِي إليكَ توَّاقًا، وإِلى اسْتماعِ الموعظةِ منكَ مشتاقًا، وبي جُرحٌ نغلٌ قد أعيَا الواعظينَ دواؤُهُ، وأعجزَ المتَطَبِبينَ شفاؤُهُ، وقدْ بلغنِي (١) نفعُ مراهِمِكَ للجراحِ والألمِ، فلا تألُ رحمكَ الله في إيقاعِ الترياقِ وإِن كانَ مرَّ المذاقِ، فإِني ممن يَصبرُ على ألمِ الدواءِ رَجاءَ الشفاءِ.

قالَ أبو عامرٍ: فنظرت إلى منظرٍ بَهَرني وسمعتُ كلامًا قطعني، ففكرتُ طويلًا ثُمَّ تأتَّى (٢) من كلامي مَا تأتَّى، وسهلَ من صعوبتِهِ مَا منهُ رقَّ لي، فقلتُ: يا شيخُ ارمِ (٣) قلبكَ في ملكوتِ السّماءِ، وأجِل سمعَ معرفتِكَ في سُكّانِ الأرجاءِ، فتنتقل لحقيقةِ إيمانِكَ (٤) جنَّة المأوى، فترى ما أعدَّ الله فيها للأولياءِ، ثمَّ تشرُفُ على نارٍ لظى فترى مَا أعدَّ الله فيها للأشقياءِ، فشتَّانَ مَا بينَ الدَّارينِ؟ أليسَ الفريقانِ في الموتِ سواء؟.

قال أبو عامرٍ: فأنَّ أَنَّةً وصاحَ صيحةً وزفرَ والتوى وقالَ: يَا أبا عامرٍ وقعَ والله دواؤُكَ عَلى دائي، وأرجُو أن يكونَ عندَكَ شفائِّي، فزدنِي يرحمُكَ الله. قالَ: فقلتُ: يا شيخُ، الله أعلمُ بسريرتِكَ، مُطَّلِعٌ عَلى حقيقةِ شاهدِكَ في خلوتِكِ بعينِهِ كنتَ عندَ استتارِكَ من خلقهِ ومبارزتِهِ، قال: فصاحَ صيحةً كصيحتِهِ الأولى ثُمَّ قال: مَنْ لفقرِي؟ مَنْ لفاقَتِي؟ مَنْ لذنْبِي؟ مَنْ لخطيِئتِي؟ أنتَ لي يَا مولاي وإليك مُنقلبي، ثُمَّ خرَّ ميِّتًا رحمهُ الله.


(١) في "صفوة الصفوة" ٢/ ١٩٤: وقد وصف لي.
(٢) هنا زيادة كلمة [لي] في "صفوة الصفوة" ٢/ ١٩٥.
(٣) هنا زيادة كلمة [ببصر] في "صفوة الصفوة" ٢/ ١٩٥.
(٤) هنا زيادة كلمة [إلى] في "صفوة الصفوة" ٢/ ١٩٥.