للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجمدار (١)، ثمَّ تدريسُ المجاهديةِ (٢) بمكَّةَ أيضًا، واستمرَّ على ذلك حتَّى ماتَ، وكانَ كثيرَ التَّودُّدِ إلى النَّاسِ، مُتجمِّلًا لهم معَ عقلٍ تامٍّ، وديانةٍ وصيانةٍ، وعَفاف، لكونِه نشأ على ذلك من صِغرِه، ولديهُ فضائلُ، ومعرفة بالأحكام، ورُزِقَ فيها من صغره السَّدَادَ مع الهَيبةِ والحُرمةِ، ولمَّا كانَ بالمدينة كان نقمةً على الرَّافضةِ، وله في إهانتِهم لإعزازِ السُّنَّة أخبار كثيرة، لم يحترمْ منهم في ذلكَ كبيرَ أحدٍ، حتَّى إنَّه كان يُغلِظُ لأميرِهم عَطيَّةَ بنِ منصورٍ صاحبِ المدينةِ، كلُّ ذلكَ معَ حظٍّ وافرٍ من العبادةِ والذِّكرِ، وصُحبةِ أهلِ الخيرِ وخدمتِهم، والإحسانِ إليهم، وكانَ ذلك دأبَه من الصِّغَرِ، وفيه مكارمُ، ولما كان قاضيًا بالمدينةِ أرسل إليه والدُه كتابًا يذكرُ له فيه: أني سألتُ الشَّيخَ طلحةَ الهِتَارَ (٣) - أحدَ كبارِ صُلحاءِ اليمنِ - أن يدعوَ لك، فقال لي الشَّيخُ طلحةُ: إنَّه رأى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال له: يا سيِّدي يا رسولَ الله، خاطرُك معَ أحمدَ ابنِ أبي الفضلِ؟ فقال له النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: هو في كنفي، وأرجو يا ولدي أنْ تكونَ في كنفِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الدُّنيا والآخرةِ، ماتَ في ليلةِ الأربعاءِ، تاسعَ عشرَ شهرِ رجبٍ، سنةَ تسعٍ وتسعين وسبعِ مئةٍ بمكَّةَ، ودُفِنَ بالمَعلاةِ، عندَ أبيه، وكثُرَ التَّأسُّفُ عليه لمحاسنِه، رحمَه اللهُ وإيَّانا.


(١) هو الأمير الطواشيُّ، سعدُ الدين بشير الجمدار، كان درسه بالمسجد الحرام بمكة. ينظر: "الضوء اللامع" ٩/ ١٣٤. والجمدار: هو الذي يُلبس الأمير ثيابه. ينظر: "معجم الألفاظ التاريخية" ص ٥٤.
(٢) المدرسة المجاهدية بمكة، إحدى المدراس الثلاثة التي لملوك اليمن بمكة، وهي: المنصورية، والمجاهدية، والأفضلية. ينظر: "العقد الثمين" ١/ ٣٥١.
(٣) الِهتارُ ككِتابٍ: لَقَبُ قُطبِ اليمن طَلْحَة بن عيسى بن إبراهيم دَفينُ التُّرَيْبةِ إحدى قرى زَبيد توفِّي سنة ٧٨٠ انظر: "تاج العروس": هتر.