للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العطاء (١)، عالي الِهمَّة (٢)، رفيعَ الأعلام، صحيحَ الإسلام، متينَ الدِّين، ذا حظٍّ مِن الصَّلاة والصِّيام، بذلَ الأموالَ بالأحمال، حتَّى أجرى إلى مكَّةَ الماءَ الزُّلال، فجرى سَلْسَاً له من الأبطح إلى المَسْفَل وسال، وأذهبَ عنهم العطشَ وأزال، ولم يبقَ للماءَ غيرُ أجرة النِّقال.

وممَّا يدلُّ على علوِّ هِمَّتِهِ، وحقارةِ الدُّنيا في نَظَرهِ، أنَّه لمَّا فُوِّضَ في أمرِ عينِ مكَّةَ - وأنَّه يمكنُ إجراؤُها من مسيرةِ يومين - بادرَ في الحال، إلى تجهيز المال، ولم يصدرْ منه عن كِميَّةِ ما يحتاجُ إليه سؤال، وإنَّما أمرَهم بالشُّروع، ووعدَهم بمواصلةِ الأموال، إلى انتهاءِ الأعمال، وأخبرني الثِّقةُ أنَّه أقبل على مَن فاوضَ في ذلك، وقال: ادخلِ الخِزانةَ، وخذْ منها ما يكفي إجراءَ الماءِ مِن أجزاءِ المال.

ومِن ذلك: أنَّه لمَّا رُوجِعَ في شأنِ المدرسةِ التي أمرَ بإنشائِها بالمدينةِ الشَّريفة، وأُنهِيَ إليه الحال، وأنَّ طِينَها يحتملُ أنْ يكونَ غيرَ قابلٍ لعملِ الآجُرِّ، فقال: يُحملُ ذلكَ مِن بغدادَ على ظهورِ الجمال، ولا يخفى أنَّ بعضَ حمولةِ ذلك تُبنى منه مدارس، ولكنِ النَّظرُ إلى صَغْو (٣) ذلك، سَجِيَّةُ الأشحَّاء الضَّنَافِس (٤).

وله على المسلمين أيادي، منها: إيقاعُ الصُّلحِ بينَ السلطانين: بو سعيدٍ والملك الناصر (٥)، ولولاه لثارتْ فِتنٌ تقطَّعتْ منها الأواصر، وتشقَّقتْ منها الخواصر.


(١) أي: سريع العطاء. "القاموس" خذم.
(٢) في "المغانم" بزيادة: شامخ القمة.
(٣) أي مال بسمعه وشقه. "القاموس" صغو.
(٤) أي: البخيل، الرخو اللئيم. "القاموس": ضنفس.
(٥) السلطان الملك الناصر محمَّد بن قلاوون، الصالحي، توفي سنة ٧٤١ هـ. "الدرر" ٤/ ١٤٤.