وقالَ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ التَّيميُّ: إنَّهُ لمَّا ماتَ بعثَ سعيدُ بنُ العاصِ بريدًا يخبرُ معاويةَ، وبعثَ مروانُ أيضًا بريدًا، وأنَّ الحسنَ أوصَى أنْ يدفنَ معَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنَّ ذلكَ لا يكونُ وأنَا حيٌّ، فلمَّا دُفنَ الحسنُ بالبقِيعِ، أرسلَ مروانُ بذلكَ، وبقيَامِهِ معَ بَنِي أمَيَّةَ وموالِيهِمْ، وإنِّي يا أميرَ المؤمنِينَ عقدتُ لوَائِي، ولبستُ السِّلاحَ في ألفَيْ رجلٍ، فدرأَ اللهُ أنْ يكونَ مع أبِي بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهمَا ثالثًا أبدًا، حيثُ لمْ يكنْ أميرَ المؤمنينَ عثمانَ -رضي الله عنه-، وكانُوا هم الذِينَ فَعَلُوا بِعثمانَ ما فَعَلُوا، فكَتَبَ مُعاويةُ إلى مَروانَ يشكرُ لهُ، وولّاَهُ المدينةَ، وعزلَ سَعيدًا. وكَتبَ إلى مروانَ: أنْ لَا يدعَ لسعيدٍ مالًا إلَّا أخذَهُ، فلمَّا جيءَ مروانُ بالكتابِ، بعثهُ معَ ابنِهِ عبدِ الملكِ إلى سعيدٍ، فلمَّا قرأَهُ أخرجَ كتابَينِ، وقالَ لعبدِ الملكِ: اقرأْهُمَا، فإذَا فيهِمَا: مِنْ معاويةَ إلى سعيدٍ يأمرهُ حينَ عزلَ مروانَ أنْ يقبضَ أموالَهُ، ولا يَدَعَ لهُ عَذقًا، فجزاهُ عبدُ الملكِ خيرًا، فقالَ: والله لولَا أنَّكَ جئتنِي بهذَا الكتابِ ما ذكرتُ ممَّا ترى حرفًا واحدًا، فجاءَ عبدُ الملكِ بالكتابِ إلى أبيهِ، فقال مروانُ: هو كانَ أوصلَ لنَا مِنَّا له، وقَبرُهُ كما هو اليومَ عِندَ النَّاسِ بحذاءِ قبرِ العبَّاسِ من البقيعِ، تحتَ القُبَّةِ العاليةِ (١) على يَمِينِ الخارجِ مِنْ بابِ البَقِيعِ رضي الله عنهم، وكانتْ وفاتُه في ربيعٍ الأولِ سنةَ خمسينَ، كما أرَّخَهُ فيها الجمهورُ، وقِيلَ: في السَّنَةِ التي قَبلهَا كماَ للواقديِّ وابنِ سعدٍ، ثُمَّ ابنِ حِبَّانَ، وكانتْ بعدَ مُضيِّ عشرِ سنينَ مِنْ إمارةِ معاويةَ عنْ تسعٍ وأربعينَ سنةً، وشهِدَهُ سعيدُ بنُ العاصِ أميرُ المدينةِ، فقدَّمهُ الحسينُ للصَّلاةِ عليهِ، وقالَ: هيَ السُّنَّةُ.
وفي لفظٍ: تقدَّمْ فصلِّ، فلولا أنَّها سنَّةٌ ما قُدِّمتَ.
(١) جميع قباب البقيع أزيلت منذ أزمنة، والحمد الله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute