للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابنُ فرحون (١): إنَّه كانَ مِن أئمةِ الدِّين، والمتَّسِمينَ باليقين، كانتْ مَكَّةُ بلدَه ودارَ إقامته، ولكن قلَّ أن تجيءَ قافلةٌ منها للزيارةِ ليس هو معها، بل كانَ قد أقامَ بها وجاورَ وقتًا، وقرأَ على والدي العربيةَ، ولازمَ درسَه وانتفعَ وحصَّلَ، وكانَ يقولُ لي: ما كُتبُ الشَّيخِ مِن العربية؟ فأقولُ له: ما علمتُ عنده سوى شرحٍ من "شرح الجمل" (٢) لابن عصفور (٣)، فيقول لي: ما هذا مِن جوانحِ ابن عصفور، فهذا الذِّكرُ العظيم، وحسنُ الإلقاءِ والتفهيم، لا يكونُ إلا عن إلهامٍ أو كثرةِ اشتغال، وكتبٍ كثيرةٍ يلتقطُ محاسنَها ويرتِّبُ قوانينَها، فأقولُ له: ما عندَه غيرُ ما ذكرتُ لكَ، وكانَ حالُ الفقيهِ خليلٍ معلومًا مشهورًا، مِن البِرِّ والصَّدَقة، ومواساةِ الفقراء، وتحمُّلِ الدَّينِ العظيمِ لأجلِهم، ينتهي دَينُه في بعضِ السِّنين إلى قوبِ مئهِ ألفِ درهم نقره (٤)، ثمَّ يقضيها اللهُ على أيسرِ ما يكونُ، وكانَ له مِن الدِّينِ فوقَ ما يصفه الواصفون، ومِن العلمِ مثلُ ذلك، ومن الورعِ والتَّمسُّكِ بالسُّنَّةِ فوقَ ذلك، قُلْ عن البحرِ، فالبحرُ يقفُ دونَه. كانَ لي النَّصيبُ الوافرُ في دعائِه ومكاتبتِه، ونشرِ ذكرِه عندَ أهلِ الخير، جزاهُ الله خيرًا، وكانَ عندَه الوسواسُ في طهارته ما اشتهر مَثَلًا في الأقطارِ، ماتَ في شوَّالٍ سنةَ ستين وسبعِ


(١) "نصيحة المشاور"، ص: ١٢٤.
(٢) "شرح الجمل الكبير" في النحو، "الجُمل" للزجاجي، وشرحه ابن عصفور الأندلسي، شرحين، والشرح الكبير منهما مطبوع في مجلدين.
(٣) أبو الحسن، عليُّ بنُ مؤمن، الإشبيليُّ، حاملُ لواءِ العربية في زمانه بالأندلس، له: "الممتع في التصريف"، و "المقرِّب في النحو"، مطبوعان، مولده سنة ٥٩٧، ووفاته سنة ٦٦٣ هـ "تاريخ ابن الوردي" ٢/ ٢١٤، و "بغية الوعاة" ٢/ ٢١٠، و "شذرات الذهب" ٥/ ٣٣٠.
(٤) في الأصل: نفره؟ وفي "نصيحة المشاور": يقرضهم، ولا يصحُّ معها سياق الكلام.