للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويحكى أنَّ داودَ خلعَ الأمين، وبايعَ المأمون (١)، واحتجَّ بكونِ الأمينِ قد بغى على أخويه: المأمون والمؤتمن، وكتبَ لولدِه سليمانَ عاملِه على المدينةِ أنْ يفعلَ مثل ذلكَ، ثمَّ سارَ إلى المأمون، وأعلمَه بذلكَ فسُرَّ، وتيمَّن ببركة مَكَّةَ والمدينةِ، وكانَ داودُ في سنةِ تسعٍ وتسعين ومئةٍ، واتَّفقَ أنَّه أقامَ بمَكَّةَ عشرين شهرًا، واستنابَ على المدينةِ ولدَه سليمانَ، فكتبوا إليه: إنَّ مقامَه بالمدينة أفضلُ، وقالوا له شِعرًا يحرِّضونه فيه على الهجرة من مَكَّةَ إليها، فلمَّا وردَ عليه الكتابُ أرسلَ إلى رجالٍ من أهل مَكَّةَ، فقرأه عليهم، فأجابَه عيسى بنُ عبدِ العزيزِ المكيُّ، المعروفُ بالسلعسي (٢) بقصيدةٍ ذكرَ فيها مَكَّةَ، وما فضَّلها اللهُ بهِ مِنَ المشاعرِ، أوَّلهُا (٣):

أداودُ أنتَ الإمامُ الرِّضى … وأنتَ ابنُ عمِّ إمام الهدى

وفي سنةِ ثمان وتسعين أصلحَ داودُ المنبرَ النَّبويَّ (٤).


(١) "الكامل في التاريخ" ٥/ ٣٨٩.
(٢) في تاريخ مدينة دمشق: الشعلبوشي، ولم أجد له ترجمة.
(٣) تتمة القصيدة في "أخبار مَكَّةَ" للفاكهي ٢/ ٢٩٤، و "تاريخ مدينة دمشق" ١٧/ ١٧٥، ومنها:
أتاكَ كتابُ جحودٍ حسودْ … أسا في مقالته واعتدى
يُخيِّرُ يثربَ في شِعره … على حرم الله حيثُ ابتنى
فإنْ كان يصدقُ فيما يقول … فلا يَسجدنَّ إلى ما هنا
فأيُّ بلادٍ سوى مَكَّةَ … ومَكَّةُ مَكَّةُ أمُّ القُرى
وبيتُ المهيمنِ فيها مقيمْ … يُصلَّى إليه برغم العِدا
وهي قصيدة بديعة.
(٤) بقي حيًّا إلى بعد المئتين، فقد ذكر خليفة بن خياط في "تاريخه" في سنة ٢٠١ هـ: أقام داود بن عيسى الحج.