للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرِّقة: هي [الوَرِق وهي] (١) الدراهم المضروبة، وتارة بلفظ الذهب والفضة؛ فإن حمل المطلق على المقيد كان نهيًا عن الربا في النقدين وإيجابًا للزكاة فيهما، ولا يقتضي ذلك نفي الحكم عن جملة ما عداهما، بل فيه تفصيل؛ فتجب الزكاة ويجري الربا في بعض صوره لا في كلها، وفي هذا توفية الأدلة حقها، وليس فيه مخالفة بشيء لدليل منها (٢).

يوضحه أن الحلية المُباحة صارت بالصّنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع، وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان، وأُعدِّت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها، ولا يدخلها "إما أن تقضي وإما أن تُرْبِي" إلا كما يدخل في سائر السِلَع إذا بِيعت بالثمن المؤجل، ولا ريب أن هذا قد يقع فيها (٣)، لكن لو سُدَّ على الناس ذلك لسُدَّ عليهم باب الدَّيْن، وتضرروا بذلك غاية الضرر.

يوضحه أن الناس على عهد نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يتخذون الحلية، وكانت النساء تلبسها، وكُنَّ يتصدقن بها في الأعياد وغيرها (٤)؛ ومن المعلوم بالضرورة أنه كان يعطيها للمحاويج، ويعلم أنهم يبيعونها؛ ومعلوم قطعًا أنها لا تُباع بوزنها فإنه سفه، ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة (٥) لا تساوي دينارًا، ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها، وهم كانوا أتقى للَّه وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يُعلِّموها الناس (٦).


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٢) في (ك): "مخالفة للدليل بشيء منها".
(٣) في (ن): "قد ارتفع فيها".
(٤) رواه البخاري (٩٨) في (العلم): باب عظة الإمام النساء وتعليمهن -وأطرافه هناك وهي كثيرة جدًا-، ومسلم (٨٨٤) في أول صلاة العيدين، من حديث ابن عباس.
ورواه البخاري (٩٦١) في (العيدين): باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة، و (٩٧٨) في باب موعظة النساء يوم العيد، ومسلم (٨٨٥)، من حديث جابر.
(٥) "بسكون التاء وفتحها، خاتم كبير يكون في اليد والرجل، أو حَلقة من فضة كالخاتم" (و).
(٦) قال في هامش (ق): "في"الموطأ" عن حميد بن قيس المكي عن مجاهد أنه قال: كنت [أطوف] مع عبد اللَّه بن عمر، فجاءه صائغ، فقال: يا أبا عبد الرحمن! إني أصوغ الذهب، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي؟ فنهاه عبد اللَّه بن عمر عن ذلك، فجعل الصائغ يرد عليه المسألة، وعبد اللَّه ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد، أو إلى دابة يريد أن يركبها، ثم قال عبد اللَّه: الدينار بالدينار، =

<<  <  ج: ص:  >  >>