للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٨ - وذكر قصة طريفة، فيها فائدة وإنصاف وتربية عن شيخه، قال: "وقد سمعت شيخنا رحمه اللَّه يقول: جاءني بعض الفقهاء من الحنفية، فقال: أستشيرك في أمر. قلت: وما هو؟ قال: أريد أن أنتقل عن مذهبي. قلت له: ولم؟ قال: لأني أرى الأحاديث الصحيحة كثيرًا تخالفه، واستشرتُ في هذا بعض أئمة أصحاب الشافعي، فقال لي: ولو رجعت عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب، وقد تقررت المذاهب، ورجوعك غير مفيد، وأشار عليَّ بعض مشايخ التصوف بالافتقار إلى اللَّه، والتضرع إليه، وسؤال الهداية لما يحبه ويرضاه، فماذا تشير به أنت عليَّ؟

فقلت له: اجعل المذهب ثلاثة أقسام:

- قسم الحق فيه ظاهر بيِّن، موافق للكتاب والسنة، فاقضِ به، وأنت به طيب النفس، منشرح الصدر.

- وقسم مرجوح، ومخالفُه معه الدليل، فلا تُفْتِ به، ولا تحكم به، وادفعه عنك.

- وقسم من مسائل الاجتهاد التي الأدلة فيها متجاذبة، فإن شئت أن تفتي به، وإن شئت أن تدفعه عنك.

فقال: جزاك اللَّه خيرًا، أو كما قال" (١).

١٩ - ونقل في مسألة (هل للمفتي المنتسب إلى مذهب إمام بعينه أن يفتي بمذهب غيره إذا ترجح عنده؟) كلامًا عن شيخه، فيه حق وعدل، قال: "فسألت شيخنا -قدس اللَّه روحه- عن ذلك، فقال: أكثر المستفتين لا يخطر بقلبه مذهبٌ معين عند الواقعة التي يسأل عنها، وإنما سؤاله عن حكمها، وما يعمل به فيها، فلا يسع المفتي أن يفتيه بما يعتقد الصواب في خلافه" (٢).

٢٠ - وذكر شيئًا عن حال شيخه ودعائه عند الفتوى، قال: "وكان شيخنا كثير الدعاء بذلك (٣)، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول: يا معلّم إبراهيم! علِّمني، ويكثر الاستغاثة بذلك، اقتداءً بمعاذ" (٤).

٢١ - وأخيرًا. . . نقل عن شيخه فائدة في حكم إفتاء من جعل السؤال توصلًا إلى


(١) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٦٥ - ١٦٦).
(٢) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٦٧).
(٣) أي بالدعاء المأثور: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل. . . " وهو في "صحيح مسلم" (٧٧٠).
(٤) "إعلام الموقعين" (٥/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>